د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز خاص
عادَ نتنياهو الى السلطة والحكم، من جديد، و لا أعرف هل هو نتنياهو الخامس او السادس ( بالنسبة الى الدورات وهو رئيس وزراء )، ولذا فضّلتُ نعته بنتنياهو الجديد بدلاً من نتنياهو الخامس أو السادس.
عادَ وبقوة اكثر من آخر مرّة ، قوّة الفوز وقوة التطّرف والصهيونية الدينيّة و قوة تحالفه مع ايتمار بن غفير ، رئيس حزب “قوّة يهوديّة”. عادَ لينّقض ، هو وحلفاؤهِ المتطرفون ، على ما تبقى لاسرائيل من ديمقراطية وأمل للسلام . حسب ما كتبّه المحللون الاسرائيليون ( انتصار للكهانيّة واغتيال للدولة ، مقال لاسرة تحرير جريدة هارتس الاسرائلية ،٢٠٢٢/١١/٢ ، منقول من صحيفة رأي اليوم الاكترونية ٢٠٢٢/١١/٣ ) .
عادَ نتنياهو والشرق الاوسط لايزال الشرق الاوسط القديم ، ولم ولن يصبح على هواه ، وعلى مقياس الصهيونية والامبريالية ” بالشرق الاوسط الجديد ” ، ذلك بالرغم من تطبيع و انفتاح بعض الدول نحو اسرائيل سياسياً و دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً .
عادَ نتنياهو ليجدَ ،ليس فقط حماس والجهاد في غزّة ، وانما ” عرين الاسود ” في مدن الضفة الغربية ، وحيرة وعجزْ السلطة الفلسطينية بين اهمال وظلم الشريك الاسرائيلي والاستحقاقات النضالية والوطنية للشارع الفلسطيني. قد يجتهد نتنياهو في تحقيق انجاز سياسي وامني ،في اول ايام استلامه السلطة ، فيعلن نجاحه في اكتشاف سّرْ قيادة وتسليح وتمويل عرين الاسود ، وسيقول ” انها أيران” هي مَنْ خلفهم ، كي يبدأ مشواراً جديداً لاقناع الادارة الامريكية والغرب بعدم جدوى المحادثات مع ايران حول ملفها النووي . ولكونه مهووساً بإيران ، فلن يترّدد بالعودة الى تحريض الادارة الامريكية الى تبني الخيار العسكري تجاه أيران .
امام نتنياهو عدّة ملفات ،تهّمه وتهّمنا نحن دول الشرق الاوسط ، اول هذه الملفات هو ملف ايران . بالتأكيد سيعمل سياسياً وأمنياً للتحشيد ضّدَ ايران و العودة الى سياسة الاغتيالات ،وسيجد نتنياهو في الرئيس الاوكراني خير مُعين و داعم لضرب ايران ، وقد دعا مستشار زيلينسكي الغرب الى ضرب مصانع المُسيرات والصواريخ في ايران ،انتقاماً منها لدعمها روسيا .ولكن لم ولنْ يجرؤ نتنياهو ، ولا غيرهِ ، بشّنِ حرب على ايران .أُسدِلَ الستار على خيار الحرب مع ايران ، طالما تدور رحى حرب اخرى في اوكرانيا بين روسيا وامريكا والغرب ، وطالما يواجه العالم ازمات اقتصادية و ازمات في الطاقة و ازمات نقدّية . تفادت و تتفادى امريكا خيار الحرب مع ايران ، وذلك قبل ان تتورّط وتورّط اوروبا والعالم بالحرب في اوكرانيا ، فهي ( امريكا ) اليوم أعجّز من اي وقت مضى مِنْ ان تشّن حرباً او تسمح بحرب اخرى في منطقة الشرق الاوسط ، والاسباب معروفة ،و لا داعي لذكرها او شرحها . بل تسعى امريكا في الوقت الحاضر الى تفادي ايّ احتكاك عسكري او سياسي مع ايران ، و شاهدنا كيف سارعَ المجلس الامني القومي الامريكي بتوضيح ما قصده الرئيس بايدن في قوله ” سوف نحرر ايران ” ، قائلاً بانَّ الرئيس قصد من ذلك ” دعم امريكا للأحتجاجات ” .
ستفاجئ المقاومة الفلسطينية في الضفة وفي غزّة نتنياهو الجديد باستمرار عملياتها الفردية ،ليس عندها ما تخسره ،وليس امامها غير سبيل المقاومة والاستشهاد .يئسَ الفلسطينيون ، مقاومة و سلطة ، من عهود و وعود ولم توصلهم المفاوضات الاّ الى تكريس الاحتلال والقتل وتجريف الاراضي و مصادرتها والى هدم البيوت . يدرك الفلسطينيون بأنَّ المشهد السياسي الدولي و الرأي العام هو الآن في صالحهم ، لن يعُد الارهاب صفة تلاحق مقاومتهم لابشع و اطول احتلال في التاريخ ، ولمْ يعُدْ الاعلام الصهيوني و الغربي ، قادرا على تمرير نفاقهِ و كذبهِ ، وهو يصف قتال الاوكرانيين مقاومة لاحتلال و مقاومة الفلسطينيين ارهابا . التظاهرات التي جرت في بروكسل ،قبل اسبوع ، تنديداً بالاحتلال الاسرائيلي ودعماً للمقاومة الفلسطينية ، والمشاركة الجماهرية الواسعة فيها ، دليل على وعي و ادراك العالم بعدالة قضية الشعب الفلسطيني .
سيحقّق نتنياهو انجازات في سياسة التطبيع التي بدأها في عهد الرئيس الامريكي السابق ترامب ، وسيزداد التعاون الاقتصادي و العسكري مع الدول العربية المطّبعة ، مثلما تزداد تصريحات وتهديدات نتنياهو لايران ، وكأن لنتنياهو رسالة الى الدول المطبّعة مفادها ” انا اليوم بدلاً من صدام امام ايران “، ” انا اليوم الضامن لامن دولكم بدلاً من امريكا”. و قد صرح مستشار ملك البحريّن ، للشؤون الدبلوماسية ، باستعداد المملكة الاستمرار بالتعاون مع اسرائيل في ظل حكومة نتنياهو .
ستشكّل حكومة نتنياهو ،وهي تمثّل الصهيونيّة الدينية ، والتطرف ، وتثير خوف النُخب الاسرائيلية الداعية الى الديمقراطية والتعايش السلمي مع الفلسطينيين ، احراجاً الى الدول الغربية الداعمة لاسرائيل ،احراجاً امام الرأي العام الاوربي و امام منظمات حقوق الانسان ، لن تستطيع هذه الدول الاستمرار بدعم حكومة متطرفة عنصرية فاشيّة ( هكذا يصفها محللون من داخل اسرائيل ) . سارعت الادارة الامريكية الى طمأنة لبنان بخصوص اتفاق ترسيم الحدود ،الموًقع بين لبنان و اسرائيل بأسبوع قبل انتخاب نتنياهو ، بالقول بان نتنياهو لن يستطيع الغاء الاتفاق او عدم تنفيذه ، ولكن ، والحق يقال ،لبنان سيعتمد على تلاحم الشعب والجيش والمقاومة في ضمان حقوقه ، واسرائيل ، مُدركة تماماً لهذه المعادلة ولاستعداد لبنان بأستخدامها اذا اقتضت الضرورة .
للبنان ، وكما يقول الفلسطينيون في تعليقاتهم على وصول نتنياهو للسلطة ، ” نحن لا يهّمنا مَنْ سيكون رئيس وزراء اسرائيل ، جميعهم لا يختلفون ، الفرق بين آخر و آخر كالفرق بين البيبسي كولا والكوكا كولا”.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل