نتائج الانتخابات العراقية :السوداني يقطف ثمار وسطيته.. يتقدّم ولا يحسم !

الحوارنيوز – صحافة
نشرت صحيفة الأخبار في عددها الصادر اليوم تقريرين عن نتائج الانتخابات العراقية،يظهر من خلالهما تقدم إئتلاف رئيس الوزراء محمد السوداني،لكن ذلك لا يحسم مصير رئاسة الوزراء.
وفي هذا الإطار كتب فقار الفاضل من بغداد:
أظهرت نتائج أوّلية جمعتها أحزاب من وكلائها في مراكز الاقتراع للانتخابات البرلمانية العراقية، أنّ «ائتلاف الإعمار والتنمية» الذي يتزعّمه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، حقّق فوزاً ملحوظاً، فيما بدا أنّ الطريق أمامه إلى ولاية ثانية لا يزال طويلاً وشائكاً. فرغم تقدّم السوداني بعدد المقاعد قياساً بباقي القوى الشيعية، إلا أنّ الحسابات البرلمانية وتوازنات التحالفات المقبلة تشير إلى أنّ تشكيل الحكومة الجديدة لن يكون مهمّة يسيرة، بل سيظلّ محكوماً بمساومات القوى التقليدية داخل ما يُعرف بـ«الإطار التنسيقي».
ووفق معطيات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر سياسية ووسطاء داخل القوى الكبرى، فإنّ السوداني، تمكّن من حصد أكثر من 250 ألف صوت، ومن المتوقّع أن تتجاوز كتلته 50 مقعداً في البرلمان المكوّن من 329 مقعداً، ما يجعلها من بين الأكبر شيعياً في التشكيلة الجديدة. ويقول المتحدّث باسم «ائتلاف الإعمار والتنمية»، محمد العكيلي، إنّ الائتلاف «حقّق فوزاً ساحقاً. والناس آمنت بمشروع السوداني الوسطي»، مضيفاً أنّ «الائتلاف حصد أصواتاً حتى في مناطق لا تُعدّ ضمن ثقله السياسي، بفضل الأداء الحكومي والخدمات التي قدّمها السوداني في أثناء السنوات الماضية». ويأمل العكيلي، في أن «تُشكّل الحكومة سريعاً، بعيداً من التجاذبات السياسية التي رافقت الدورات السابقة».
في المقابل، لا يبدو منافسو السوداني، في المكوّن الشيعي في وارد التسليم بنتائج تعيد رسم التوازن داخل «الإطار التنسيقي» لمصلحة رئيس الحكومة. ويقول علي حسين الحلي، القيادي في «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعّمه رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، لـ«الأخبار»، إنّ المالكي، «لا يزال رقماً صعباً انتخابياً وسياسياً، ويمتلك جماهيرية واسعة. ونتائج الانتخابات أثبتت أنّ لدولة القانون حضوراً ثابتاً في المشهد». ويضيف أنّ «بعض الأحزاب حاولت استغلال موارد الدولة ومواقع النفوذ لتوجيه النتائج، لكنّ الواقع يبيّن أنّ الكتل المجرّبة لا تزال تمتلك قاعدة راسخة».
وتفيد مصادر مطّلعة بأنّ اجتماعين مغلقين عُقدا، ليل أمس، في بغداد بين قادة الكتل الشيعية الكبرى، بهدف استباق مفاوضات تشكيل الحكومة. وتشير المعلومات أيضاً إلى اتصالات جرت بين قادة شيعة وكلّ من رئيس «تقدّم»، محمد الحلبوسي، ورئيس حزب «العزم»، مثنى السامرائي، ورئيس الحزب «الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، في محاولة لرسم خارطة تحالفات عريضة قبل إعلان النتائج الرسمية. وبحسب المصدر، فإنّ الحلبوسي وبارزاني، أبديا دعماً مبدئياً للسوداني، ولم يُظهرا رفضاً لولاية ثانية له، ما يعزّز موقعه التفاوضي في الأيام المقبلة.
لكنّ مصدراً سياسياً آخر أبلغ «الأخبار»، أنّ الحلبوسي، «يسعى إلى الحصول على موقع رئاسة الجمهورية مقابل تنازلات سياسية، إلا أنّ هذا الخيار يبدو مستبعداً بسبب تمسّك القوى الكردية بالمنصب وفق العُرف المتّبع منذ 2003». واستنتج المصدر أنّ الأمور «تتّجه نحو حكومة توافقية تُرضي جميع الأطراف ضمن مبدأ تقاسم السلطة، لا حكومة أغلبية كما كان يُروَّج قبل الانتخابات».
وبحسب بيانات «المفوّضية العليا للانتخابات»، بلغت نسبة المشاركة الإجمالية 56.11 في المئة من الناخبين المسجّلين، متقدّمةً على تلك المسجّلة في انتخابات 2021، وذلك رغم مقاطعة «التيار الصدري». مع هذا، يقدّر باحثون أنّ النسبة الفعلية للمشاركة من إجمالي من يحق لهم التصويت في العراق، أي نحو 30 مليون مواطن، لا تتجاوز 41 في المئة، ما يعكس استمرار حال العزوف الشعبي واللامبالاة العامة إزاء العملية السياسية.
لا يبدو منافسو السوداني الشيعة في وارد التسليم بنتائج تعيد رسم التوازن لمصلحته
وفيما تُعيد النتائج ترسيم موازين القوى داخل المعسكر الشيعي، يرى الباحث في الشأن السياسي، محمد الجناحي، أنّ فوز السوداني «لا يعني تلقائياً تجديد ولايته». ويقول لـ«الأخبار»، إنّ «تشكيل الحكومة في العراق لا تحسمه الصناديق وحدها، بل التحالفات التي تليها. السوداني اليوم يملك كتلة قوية، لكنه يحتاج إلى مظلة توافق شيعية وكردية وسنّية تضمن له الكتلة النيابية الأكبر دستورياً». ويضيف الجناحي أنّ المالكي «يمتلك شبكة تحالفات قديمة، وقد يسعى إلى تقويض اندفاعة السوداني عبر المفاوضات، لا عبر المواجهة المباشرة»، لافتاً إلى أنّ «بعض النواب الفائزين ضمن قوائم الإعمار والتنمية قد ينسحبون بعد أداء اليمين الدستورية إذا لم تلبَّ مصالحهم السياسية أو الإدارية».
ويتابع الجناحي، أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو «تشكيل حكومة توافقية برئاسة السوداني، بمشاركة جميع القوى الشيعية التقليدية، مع منح السنّة والأكراد حصصاً أوسع ممّا حصلوا عليه في الدورة السابقة، لتفادي تعطيل الحكومة أو سحب الثقة منها لاحقاً». لكنه لا يستبعد أن «تُواجه الحكومة المقبلة تحدّيات داخلية مبكرة، بفعل التنافس على الوزارات الاقتصادية والأمنية، وخصوصاً مع وجود ضغوط إقليمية ودولية على بغداد لضبط التوازن بين واشنطن وطهران».
في المحصّلة، تعيد انتخابات 2025 تثبيت المعادلة العراقية التقليدية، وهي: لا فائز مطلقاً ولا خاسر نهائياً. فالسوداني خرج من السباق بأكبر كتلة، لكنه أمام امتحانٍ سياسي صعب قد يُعيده إلى التفاهمات نفسها التي جاءت به إلى السلطة قبل ثلاث سنوات. أمّا المالكي، فيبدو أنه لن يغيب عن مشهد صنع القرار داخل «الإطار التنسيقي»، ليبقى العراق في نهاية المطاف محكوماً بمنطق الشراكة والتوافق، لا بمنطق الغالب والمغلوب.

انتخابات العراق: السوداني يقطف ثمار «وسـطيّته»
وفي تقرير آخر كتبت الأخبار:
قفز محمد شياع السوداني إلى صدارة المشهد العراقي، انتخابياً هذه المرة، بعدما تمكّن في أثناء ثلاث سنوات له في رئاسة الوزراء، من التصدّر السياسي، وذلك عبر تشكيل نقطة تقاطع على خريطة القوى الداخلية، سواء داخل المكوّن الشيعي أو بين الأخير والمكوّنات الأخرى، وحتى بين الأطراف الخارجية النافذة، وتحديداً الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن نسج علاقات مع دول الخليج و«سوريا الجديدة». وبدت في خلفية هذا الدور، قاعدة رسمها السوداني بنفسه، عنوانها ضرورة أن يكون العراق محرّكاً لتحقيق ما يمكن من توافقات داخلية وخارجية تؤمّن للبلد الخروج بأقلّ الأضرار في لحظة اشتداد الصراع، الذي يهدّد بتغيير خرائط وإعادة رسم مواقع نفوذ على مساحة الشرق الأوسط بكامله.
ورغم أنّ النجاح في مثل هذه المهمّة لا يزال بعيد المنال، في بلد تضفي الفسيفساء الخاصة به تعقيدات إضافية على وضعه المفتوح على الصراع الأميركي – الإيراني العسكري والاقتصادي، والزلزال السوري، ومشاكل تركيا القومية وطموحاتها التوسّعية، فضلاً عن مشاركة فصائل المقاومة في حرب إسناد قطاع غزة ضدّ إسرائيل، إلا أنّ الاستقرار النسبي الذي شهده العراق في هذه المدّة الحرجة، يُحسب للسوداني، الذي خاض مفاوضات عسيرة مع حلفائه قبل خصومه للوصول إليه. وربما لهذا السبب، كان التصدّر الانتخابي نسبياً ومحدوداً، ولم يكن عاصفاً كذلك الذي حقّقه زعيم «التيار الوطني الشيعي»، مقتدى الصدر، في الانتخابات السابقة عام 2021، في مواجهة منافسيه داخل المكوّن الشيعي، والذين تمكّنوا مجتمعين من محو تفوّقه، لينتهي الأمر بالصدر إلى الخروج من العملية السياسية ومقاطعة الانتخابات التي جرت أول أمس.
وقد يكون التفوّق الجزئي وليس الكاسح، من حظّ السوداني؛ فهو إذ يتيح للرجل مرونة أكبر في التفاوض لتشكيل الحكومة المقبلة، وربما الحصول على ولاية ثانية في الرئاسة، غير أنه لا يحرّره أبداً من قيود الإطار الذي خرج منه، أي «الإطار التنسيقي»، الأمر الذي قد يسهّل عليه مهمّة تشكيل الحكومة المقبلة على قاعدتَي التوافقين الشيعي والوطني، وذلك بعد تذليل المسائل الشخصية المرتبطة بالطامحين المعروفين إلى رئاسة الحكومة والمناصب الأخرى.
وعلى أي حال، يبدو أنّ من أسباب فوز السوداني، في نتيجة الانتخابات، كما نجاح حكومته في تنظيمها بشكل خرج منه الجميع راضياً ومرتاحاً، من دون شكاوى تُذكر حول التزوير، هو واقعيّته في مقاربة المسائل المتعلّقة بحكمه، الذي بدأ أيضاً بحملة على الفساد – بمعزل عن مدى فاعليّتها – الذي يشكو منه العراقيون كثيراً. وحتى لو لم يحقّق السوداني المعجزات في هذا الملف، نتيجة صعوبته، وخطورة تداعياته على التوازن السياسي الداخلي، إلا أنه خرج من الولاية الأولى من دون أن تلتصق به، أقلّه في الظاهر، تهمة التورّط شخصياً في الفساد، وعرف كيّف يميّز بين تفعيل الخدمات والتوظيف بما يرضي القواعد الانتخابية – وهو ما لم يكن بعيداً عن التشبيك مع أطراف خارجية عادت لتستثمر بقوة في الساحة العراقية -، وبين الخوض في الصفقات الكبرى التي عادة ما كانت الطريق إلى بناء القواعد الحزبية والانتخابية، ولم يسلم منها كثيرون في السنوات العشرين من الحياة السياسية، في عراق ما بعد صدام حسين.
السؤال الكبير المطروح الآن هو هل سيتمكّن السوداني من الاستمرار في النهج الذي سار عليه، أم تأخذه سَكرة الفوز الانتخابي إلى خيارات قد لا تكون مناسبة وقابلة للتنفيذ الهادئ في العراق، من نوع نزع سلاح فصائل المقاومة؟ أم أنّ المستقبل سيأتي بتطوّرات أكبر من تلك التي سبقت، بما يتجاوز قدرته على الإدارة؟


