رأي

أعفونا من مرور الزمن(حيان حيدر)

 

بقلم حيّان سليم حيدر

     وتدور الأيام، وينقصف العمر ولا ينصفه الزمن، وتذهب الفرص مع الأحلام، ويختلط صالح الحابل بطالح النابل …

     وما مناسبة هذا الكلام الطلسَمي؟ 

     لقد شخص أمامي، وأنا أتصفّح مخطوطات سليم حيدر، المشرِّع،    ما يأتي:

______________________________________

     ” سمعت من إذاعة بيروت نص مشروع قانون العفو عن العسكريين الذي قدمه حضرة النائب ناظم القادري، رئيس لجنة الإدارة والعدل.  وإذا كانت الحرب قائمة اليوم بين الشرعية واللاشرعية والدستورية واللادستورية، فلا بد من تعليق مقتضب على هذا المشروع الذي يلوح أنه وضع بسرعة فائقة وتحت ضغط الأحداث فجاء مخالفًا للمبادىء العامة في التشريع وللحقوق الدستورية، فضلًا عن أنّه غير عملي وغير ملائم فيما يمكن أن ينجم عنه:

     أولًا: إنّ إعطاء الحكومة حقّ العفو الخاص على أن يكون له مفعول العفو العام هو تجاهل كلّي للمبادىء العامة التي تتحكّم بموضوع العفو.  فالعفو الخاص يقتصر على العقوبة بينما العفو العام يمحو الجريمة من أساسها.

     ثانيًا: إن المادة 51 من الدستور التي تعطي رئيس الجمهورية حقّ منح العفو الخاص تحظّر عليه منح العفو العام بعبارة صريحة: ” أما العفو الشامل فلا يمنح إلّا بقانون .”  وإذا كان المجلس النيابي قد درج على إعطاء الحكومة من وقت إلى آخر سلطة إصدار مراسيم إشتراعية بمواضيع محدّدة، فإنّ هذه المواضيع تمت إلى أمور عامة ولا تتناول تصرّف أفراد معينين مهما كثر عددهم.  إن تخويل الحكومة إصدار مراسيم بالعفو الخاص على أن يكون له مفعول العفو العام لا يجوز إطلاقًا لأنّه مخالف لنصّ الدستور وللمبادىء الحقوقية العامة.

     ثالثًا: بصرف النظر عن هذه العقبة الدستورية، المشروع المقترح غير عملي وغير ملائم.

     غير عملي لكون الحكومة اليوم بحكم المفقودة، وما فائدة قانون يصدر إذا لم يكن هناك حكومة لتنفيذه؟  وكلنا يعلم العقبات التي تقف في وجه تشكيل حكومة جديدة قبل أن تنفرج الأزمة الدستورية التي نحن فيها والتي تهدّد بالفراغ.

     وغير ملائم لأنّه، حتى إذا تمت المعجزة وتألفت حكومة، فلا يصح أن يترك لاستنسابها أن تعفو عمن تشاء من العسكريين دون سواهم، فتزداد المشكلة تعقيدًا.

     رابعًا: في نظري أنّ الحلّ الوحيد لمشكلة العسكريين، الحلّ الذي يحافظ على نصّ الدستور وروحه وعلى مبدإ فصل السلطات وعلى مصلحة الجيش الذي هو عنوان الوطن، وعلى مصلحة العسكريين الذين وضع الأستاذ القادري مشروع القانون من إجلهم، الحلّ الوحيد هو أن يصدر المجلس النيابي قانونًا بالعفو الشامل عنهم.  وطالما الأستاذ قادري يقترح إصدار قانون، فلماذا لا يصدر هذا القانون بالعفو الشامل مباشرة، دونما لفّ ودوران في دهاليز الحكومة والحكم؟ “

                                                                                                        سليم حيدر

______________________________________

     هذا كان لبنان منذ أكثر من نصف قرن.  وباختصار، قد يفيدنا أن نكرّر جملًا وعبارات وردت أمامنا ومنها:

– “الحرب قائمة اليوم بين الشرعية واللاشرعية والدستورية واللادستورية” (منذ ذلك الوقت؟)،

– “وُضِعَ بسرعة فائقة وتحت ضغط الأحداث فجاء مخالفًا للمبادىء العامة في التشريع وللحقوق الدستورية” (ويظهر أنّها كانت القاعدة)،

– “لا يجوز إطلاقًا لأنّه مخالف لنصّ الدستور وللمبادىء الحقوقية العامة.” (لا تعليق)،

– “غير عملي لكون الحكومة اليوم بحكم المفقودة، وما فائدة قانون يصدر إذا لم يكن هناك حكومة لتنفيذه؟  وكلنا يعلم العقبات التي تقف في وجه تشكيل حكومة جديدة قبل أن تنفرج الأزمة الدستورية التي نحن فيها والتي تهدّد بالفراغ.”  (حكومة مفقودة؟  أزمة دستورية؟  تهدّد بالفراغ؟)

– “الحلّ الذي يحافظ على نصّ الدستور وروحه وعلى مبدإ فصل السلطات.”  (هذا من “فصول” السلطات)،

– “دونما لفّ ودوران في دهاليز الحكومة والحكم.”

     هل قال: لفّ ودوران؟  يا دارة دوري فينا…

منذ نيّف ونصف قرن… دوري فينا !

بيروت، في 8 تشرين الثاني 2022م.                                                               

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى