رأي

موت زمن… أي زمن آخر؟ (نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

 

كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار:

 

 

أكثر بكثير من أن يكون غياب رجل، وغياب دور. غياب زمن، ليكون السؤال الذي بوقع الزلزال، وعلى وقع الزلزال: أي زمن ذاك الآن، وبعد الآن؟

غابة مجنونة بذئاب مجنونة. للوهلة الأولى ينبغي أن نتوقع ما هو أشد هولاً. الأميركيون (الاسرائيليون) لا يرون فينا أكثر من جثث وتبحث عن مقبرة. لا ندري لماذا الاصرار اليهودي على الثأر منا. لو وصل أدولف هتلر لربما كانت هنا المحرقة الكبرى. القدر شاء، وبسبب النقص في الوقود، أن يسقط رومل، بكل عبقريته العسكرية، أمام الانكليزي المحنك مونتغمري في صحراء العلمين.

اليهود من صنعوا المحرقة الكبرى. لا سقف، ولا جدار، ولا طفل، حتى ولا مقبرة. هنا “دولة يهوه” تبنى بجثثنا. محمود درويش قال لنا “أرى في عيونهم ذئاب جهنم، لنتوقع ما بعد، ما بعد جهنم”. اعتذر عما وصفه بـ “ذلك اليأس الطارئ”، لكأنه الياس الأبدي، وقال “لكنها فلسطين… لكنها فلسطين”. نقول نحن “لكنها فلسطين… لكنه لبنان”.

أيضاً لكنه اليوم الذي ليس كباقي الأيام. الكل يبتهلون (لمن يبتهلون؟) منذ 60 عاماً، قال مناحيم بيغن “العالم لا يشفق على المذبوحين، لكنه يحترم المحاربين”. هؤلاء هم المحاربون. لا يستغيثون لا بدونالد ترامب، ولا بفلاديمير بوتين، ولا بشي جين بينغ، الذين لا يرون فينا سوى البضاعة البشرية التي يمشي فوقها الأباطرة، وتمشي فوقها الأيام. لقد غاب السيد حسن نصرالله (ولحق به السيد هاشم صفي الدين). لن نقول للأيام أن ترأف بنا. الأيدي العارية اليوم، الصرخات العارية اليوم، هي من تقفل باب جهنم.

كثيرون اليوم يتذكرون ببكائهم كيف أن أحدهم أراد ازالة الحسين، وأهل بيته. لا الحسين زال، ولا أهل بيته زالوا. وكثيرون اليوم يدقون أبواب القيامة. لسوف نلام حين نقول “أيها الله آن الأوان لكي تصغي لأنينا”. لقد وضعتنا بين براثن ذلك الاله الذي لا يرى فينا (رجاء أن تقرأ التلمود) سوى أشكال بشرية بأرواح الحيوانات، وقد لاحظنا كيف أن الوحوش تخاف من شجرة الزيتون. اصحاب تلك الأرض يرون في شجرة الزيتون، مثلما يرون في زهرة الأقحوان، الصلاة. هنا أشجار، وهنا أزهار، تصغي، بدقات القلب، الى قرع الأجراس، والى صوت المآذن.

شخصياً سأكون كمن يشارك في تشييع الزمن. ألا يوجد في التاريخ ذلك النوع من الرجال الذين يختزلون الزمن؟ كنا قد كتبنا في ذلك اليوم “لكأنه سقوط الدهر”. الآن، ونحن نرى ما حدث، وما يحدث، لكأنه سقوط الحياة. ولكن تلك الحشود، أليست مظهراً من مظاهر القيامة؟ انها القيامة…

هكذا ولد، وهكذا ترعرع، أولئك الناس داخل أحزانهم (التي يرون فيها المعطف الالهي). لكأن الحداد يليق بهم فقط لأن علاقتهم بالتراب (الانجيل والقرآن شاهدان) هي علاقتهم بالله الذي قال اننا وجدنا لكي نوجد. من يقتلنا انما يقتل الوجود.

أمام مهابة المشهد، لا لبنانيون هناك خارج المشهد. كلهم يدركون أن بقاء الاسرائليين في التلال الخمس، وبانتفاء أي ذريعة عسكرية (وبالذريعة التوراتية اياها)، يعني بقاءهم على باب القصر الجمهوري، وعلى باب السراي الحكومي، بل وعلى باب كل بيت لبناني. ثمة رجل نقتدي به. شارل ديغول قال “حين يكون النازيون في باريس يكونون في كل بيت فرنسي”. وحين يكون الاسرائيليون في الجنوب يكونون في كل بيت لبناني.

��������: لن تصدق أسعار الأرائك في متجر تصفية الأثاث!أرائك | إعلانات البحث

تعرف على المزيد

 

How to Choose the Best Replacement Windows for Your HomeWindow Replacement | ExploreNest.com

Learn More

 

أعلم تماماً كيف تفكر قيادة “حزب الله”. الآن، وعلى خطى السيدين الغائبين (الحاضرين). اليوم هو اليوم التالي. قلوبنا مشرعة أمام الذين شرعوا أمامنا أبواب منازلهم. بعضنا المأخوذ بـ”سحر” الاسرائيليين، لا بد أن يدركوا أن ثقافة الغيتو تعني البقاء بين الخندق والقبر. هكذا قال البعض. المقاومة قضت تحت الأنقاض، ويفترض أن توارى الثرى في مكان آخر. مثل هؤلاء الناس الذين يحملون لبنان على ظهورهم، ويحملون أرواحهم على ظهورهم، لا يموتون الا كما تموت الأشجار وهي واقفة. متى انحنت جبال لبنان أمام الغزاة، لينحني رجال المقاومة، وهم رجال لبنان، أمام الغزاة؟

لا أحد يدري بلعبة الرياح، وبلغة الرياح. هل ماتت هيروشيما لتموت كفركلا، ولتموت مارون الراس، ولتموت الخيام؟ التراب قام، أجل قام، حين تناهى اليه وقع أقدام الأهل. شاهدنا في العراء أمهات يخبزن على الحطب. أيها السيد المسيح، وقد تعلمنا على يديك ما تعني الحياة، وما يعني خبز الحياة. انك الآن بين هؤلاء الناس لتكون، بآلامك، الشاهد على القيامة.

لسنا نحن بل الكاتب اليهودي النمساوي الفذ ستيفن زفايغ الذي لاحظ كيف أن الحاخامات تولوا، عبر الأزمنة، تسويق العدم. لا وجود هناك للآخر، وقد علقوا السيد على الخشبة لأنه وقف في وجه من غرزوا السكين في خاصرة الله (هكذا قال الفيلسوف الكاهن تيار دو شاردان). اليوم، لبنانيون ويقولون لا غياب بل حضور، ولا موت بل حياة. لا بكاء بل صرخة (صرخة التراب وصرخة الدم). رجل كان ايذاناً بأن لبنان المهيض الجناح، انما يحلق بأجنحة اللقلاق أو بأجنحة الصقر.

صلاة للأزهار التي على ضريحك. الأزهار صلاة، الأحزان صلاة. أيها السيد الله، وكنت هنا، وكنت هناك، رجاء… افتح ذراعيك!!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى