مواقف رئيس الجمهورية امام المجلس الاقتصادي أمنيات.. وهذه هي الدلائل
"…الاقتصاد يبنى من خلال القطاعات المنتجة، فيما كان العمل يتم سابقا على الاقتصاد الريعي"، هذا ما قاله رئيس الجمهورية، في كلمته أثناء استقباله وفد المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وأضاف "…وجوب أن تكون الموازنة قادرة على تغيير الوجه الذي كان سائدا، وأن تحمل وجها اقتصاديا وتنمويا…"
جمل قليلة قالها الرئيس، لكنّ دلالاتها كثيرة، فالكلمتان تشيران إلى نمطين اقتصاديين بينهما فوارق عظيمة، فالاقتصاد الريعي هو اعتماد الدولة على مصدر واحد للدخل وهو هنا الريع، وفي معظم الحالات يكون مصدراً طبيعياً ليس بحاجة إلى آليات إنتاج، والاقتصاد الريعي المعاصر يتخذ شكل اقتصاد الخدمات، سواء كانت مالية أو عقارية، أو ما بات يعرف بالاقتصاد الافتراضي.
في حين، أنّ الاقتصاد المنتج، هو الذي يقوم على القطاعات المنتجة، أي الصناعة والزراعة، وبتعبير آخر، هو الذي يستخدم آليات إنتاج تتيح له تكوين كتلته الاقتصادية – المالية، ولا يتكل على المصادر الطبيعية كالنفط والغاز والأرض على سبيل المثال. الاقتصاد الإنتاجي يساعد على إيجاد فرص عمل للشباب ويحدّ من الهجرة، ويحدّ من العجز في الخزينة العامة، ويسيطَرُ فيه على الدين العام.
ولكي يكون كلام الرئيس واقعيًّا وعمليّا، يفترض أن تظهر ملامحه وطلائعه في الموازنة العامة، وبالتحديد من خلال موازنتي وزارتي الزراعة والصناعة، ولكن ما هو منظور لغاية اليوم من نقاش الموازنة العامة، هو محاولات السيطرة على الدين العام، والإيفاء بمتطلبات مؤتمر "سيدر"، من خلال تقليص الإنفاق في الوزارات جميعها، بما فيها الوزارتين المعنيتين بكلمات الرئيس (أي الزراعة والصناعة).
وإذا عدنا خطوة إلى الوراء، وراجعنا البيان الوزاري للحكومة الحالية، لوجدنا أنّ لا أثرًا واضحًا أو جليّا للتحوّل من الريع إلى الانتاج، علمًا انّ للرئيس كتلة وازنة في الحكومة بإمكانها تغيير ما تريد في البيان لو شاءت. كما أننا لو تقدّمنا خطوة إلى الأمام، لوجدنا أنّه لا أثر لخطة، أو حتى لتلميح، يشير إلى إمكانية تشكيل لجنة لوضع خطة طويلة الأمد (٣ سنوات على الأقل)، تهدف إلى تحويل الاقتصاد اللبناني من "ريعيّ" إلى "منتج".
إنّ ما جاء في كلمة الرئيس مهمّ جدا، لكنّه بحاجة إلى ترجمة ملموسة، ونقاش جديّ ومعمّق، فالمعوّقات لا تعدّ ولا تُحصى، منها ما يستطيع لبنان التحكّم به، ومنه محكوم فيه للخارج الاقتصاديّ، كما انّه بحاجة لإرادة وإدارة سياسيّة واحدة، لا تعدّد فيها للرؤوس ولا للمحاصصة، تضع مصلحة البلاد، والعباد، أمام مصالحها، وعلى ما يبدو أنّ ما تقدّم هو من نوع الأُمنيات.