ريميال نعمة –بابل العراق
أن تعانق التاريخ وأنت وسط حاضر مأزوم ،،، ترمي على حضارة الأجداد سلاماً خجولا وقد بح صوتك أن “كفى”.
أن تقف في حضرة الحضارات القديمة، تنظر الى أعمدة الهياكل في شارع المواكب الذي مشى به يوما نبوخذ نصر آخر ملوك بابل العظيمة ،وقد تهاوت لتوها كل اعمدة القلب عامودا تلو العامود. تأتي من بلادك المتعبة من كثرة الحروب والقلق والترقب، تنظر الى الماضي بدمع مكتوم ذرفته قبل ليال وانت تشاهد وتسمع أخبار الموت القادم من فلسطين دون ان يحرك للعالم رفة جفن،
تصافح طيف حمورابي مؤسس بابل أقدم الحضارات في العالم وسيدة الشرائع لتشارك في مهرجانها الساحر للثقافة والفنون.
على مسافة 100 كيلومتر من العاصمة بغداد فتحت مدينة بابل العريقة ذراعيها للثقافة والفنون المختلفة، رمت سلاماً حاراً على فلسطين وأهدت دورتها ال11 لغزة المدينة الثائرة اليوم على طغاة القرن العشرين، تماما كما ثارت بابل قبل الفي عام واكثر على كل من اتاها غازياً فدحرته فيما العالم يترنح تحت ضربات طغاة هذا الزمن المتمثل بدولة الاحتلال واعوانها.
يدهشك ان مهرجاناً في بلد كالعراق لم ينفض عنه كلياً غبار الحرب وما يزال، يعتبر منطقة نزاعات وخطوط حمر وتجاذبات سياسية تقف كلها كما المنطقة بأسرها على فوهة بركان، يصر منظمو مهرجان بابل “الشجعان بامتياز” على رفع كأس الحياة وعلى لغة الحب والشعر والموسيقى في مقابل لغة الموت والظلامية.
هناك في بابل مدينة حمورابي سيد الشرائع تلك التي حفظت الامن والسلم في تلك الحقبة المجيدة من العمر واقدم حضارات العالم من يحاول التأكيد على الفنون وجدواها على الشعر والكتاب وجدواهما كأسلوب عيش يخففان قسوة الواقع المرير، وان لا خلاص الا بكل ما ذكر…
وبابل، وأصل تسميتها “بوابة الاله”، تحولت مع كم الوافدين من الضيوف الذين اتوها من كل العالم ،من مصر والاردن ولبنان ومن سوريا والسعودية وقطر والمانيا وبلجيكا والهند وفرنسا والسويد وفلسطين، الى نافذة ضوء وامل، اتسعت لتضم كل انواع الفنون من الشعر الى الكتب فالدراما والفنون التشكيلية والغناء والموسيقى والندوات المختلفة بعناوين ومضامين متنوعة توزعت على مسارحها المختلفة وأبرزها مساحة ضمت معرضا للكتب والاصدارات القديمة والجديدة والتواقيع، فيما زينت لوحات تشكيلية كبيرة المكان حملت بورتريهات لشعراء عظماء مثل درويش والبياتي والجواهري ونزار قباني، احتفاء بهم.
اتسع المكان كثيرا بوجوه رحبة مشتاقة لبقعة ضوء، لنسائم امل تخفف من ضيق الواقع وانسداد أفقه. مبدعون قدموا ابداعاتهم شعرا وعزفا وقراءات ونقاشات وافلاما وافكارا ابداعية امتدت طوال ايام، واتخذت من قاعات حملت اسماء الهة المدينة (مردوخ) و (عشتار) فشكلت عرسا ثقافيا مبهجا حمل الكثير من الحب والوفاء لفلسطين وغزة وللهوية العراقية المحلية بكل مافيها من اشراقات واضاءات.
تحت شعار “كلنا بابليون” افتتح الدكتور الشاعر ” علي الشلاه ” دينامو الحركة الثقافية في مدينته التي يعشق بابل وصاحب الباع الطويل في مواكبة الشأن الثقافي والمعرفي شرقاً وغرباً معلناً بدء المهرجان، مراهناً انه مازال للثقافة في زمن القحط والذكاء الاصطناعي اصدقاء كثر وان الابداع حالة ولادة تؤكد على قدرة الانسان على قهر مهمشيه وقاهري انسانيته.
لتبدأ الاحتفالية على المسرح الأثري الكبير بالنشيدين الفلسطيني والوطني حيث مشى ضيوف المهرجان على سجادة حمراء ،وتجمع عدد كبير منهم على المسرح كل على طريقته الخاصة ادى التحية لفلسطين لتصدح الموسيقى والكلمات على شاشات كبرى حيث استمتع الجمهور برؤية شعراء كبار على الشاشة ورؤية” يافا كما رآها الجواهري” ومحمود درويش في “عابرون في كلام عابر” وب”رسالة عاشق الى غزة” بصوت تميم البرغوثي وبنزار قباني الذي” لن يقرع أجراس العودة ” وبسميح القاسم “يرثي قاتليه “، اطلت بعدها على المسرح المطربة اللبنانية جاهدة وهبي لتصدح بقصائد مغناة للوطن ولفلسطين وللانسان اضفت بحضورها وبصوتها الشجي وادائها العذب والمثقف في آن هيبة وسحرا اضيفا على هيبة وسحر المكان حيث قدمتها على المسرح وبكلمات معبرة الشاعرة والاعلامية لوركا سبيتي.
وكانت فقرة عروض الأزياء التاريخية القديمة التي تؤامت بين بابل العراق وفلسطين متعة مشهدية خالصة عرفت الجمهور الحاضر والضيوف على عظمة تلك الحقبة التاريخية بالفن والتصميم والابتكار وأن ما نراه اليوم من ابداعات هو قليل من فيض ابتكارات الماضي
وكانت للموسيقى العراقية حصة وافرة من خلال السمفونية العراقية بقيادة المايسترو علي خصاف والصوت الاوبرالي بيدر البصري الذي غنى تراثيات عراقية شجية
ورغم ما عاناه الذين توالوا على المسرح من صعوبات في تقنيات الصوت ،تفاعل الجمهور والهبت الأكف التي وصلها احساس فنانين قدموا ابداعاتهم فتفاعلوا تصفيقا وغناء وآهات مفتوحة على إرادة الحياة.