د.عماد عكوش – خاص الحوار نيوز
يستند معظم الفساد في لبنان إلى مادة أساسية في الدستور اللبناني وهي واردة في مقدمة الدستور الفقرة (ي) والتي تقول : لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
هذه الفقرة أستند أليها معظم من حكم ووصل الى السلطة في لبنان ليتحاصص ويفسد بحجة العيش المشترك ويوزع المغانم والوظائف من دون المرور بالسلطات الرقابية ، فجعل الوظيفة بابا من أبواب شراء الأصوات ، وبابا من أبواب التموضع الطائفي تحت عنوان الحفاظ على العيش المشترك .
لكن معظم الكتل النيابية اليوم تتحجج بأنها لم يكن باستطاعتها فعل أي شيء لوقف الفساد، لأن قرارات الأصلاح تحتاج الى أجماع ، وهذا ما رأيناه في كل أقتراحات القوانين، من قانون الكابيتال كونترول ، الى خطة الكهرباء ، الى خطة الوزارة في توزيع الخسائر ، الى قانون المنافسة ، وقانون الأثراء غير المشروع ، وغيرها من الخطط واقتراحات القوانين والتي ما زالت عالقة أو معلقة التنفيذ ، بحجة فقدان الأجماع ومماطلة بعض الكتل .
أنطلاقا مما تقدم ومما ورد في الدستور اللبناني ولا سيما المادة السابعة من الفصل الثاني والذي نص على حقوق وواجبات اللبنانيين ، حيث نصت هذه المادة على ما يلي : “كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم.”
وأنطلاقا من المادة 12 من نفس الفصل الثاني والذي تتضمن ما يلي : “لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الأستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون. “
إذاَ وأنطلاقا من هاتين المادتين فإن المحاصصة والتعيينات التي حصلت ،سواء بقانون أو غير قانون، هي مخالفة للدستور ، ولأجل رقابة دستورية القوانين جاءت المادة 19 من الباب الثاني تحت بند السلطات لتنص على ما يلي :
“ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات الرئاسية والنيابية . يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أو ألى عشرة أعضاء من مجلس النواب ، وألى رؤساء الطوائف المعترف بها قانونا في ما يتعلق حصرا بالأحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ، وحرية التعليم الديني.”
هذه المادة تؤكد مسؤولية الرؤساء الثلاثة عن الفساد ،لأنهم لم يقدموا طعونا بكل المخالفات الدستورية، وخاصة لناحية المحاصصة ومخالفة المساواة بين اللبنانيين ، كما تؤكد مسؤولية الكتل النيابية التي تملك عشرة نواب وأكثر عن سكوتها على مخالفة الدستور وشراكتها في هذه المخالفات لمجرد السكوت عنها ، ولا يكفي اليوم أن نحمل هذه الملفات ونهدد بها ونحولها إلى القضاء لنرفع التهمة عن أنفسنا .
هذا الدستور أيضا فاقم في المشاكل الدستورية والمطبات السياسية من خلال ترك المهل مفتوحة في معظم الإستحقاقات.فمن أستحقاق أنتخاب رئيس الجمهورية ، الى أستحقاق الأستشارات النيابية ، واستحقاق التكليف ، واستحقاق التشكيل ، والإستحقاقات الخاصة بالمصادقة على القوانين ، وأصدارها ، وعرضها على الهيئة العامة ، وتوقيع الوزير على المراسيم التطبيقية ، وغيرها من المهل المطلوبة لمنع عرقلة العمل في القطاع العام ومؤسسات الدولة .
من ناحية أخرى يلعب مجلس شورى الدولة دورا بارزا في دراسة القرارات الصادرة عن الوزراء والسلطة التنفيذية، وهناك أمكانية كبيرة لتعطيل هذه القرارات التي تخالف القانون والدستور، فلماذا تم أغفال هذا المجلس ودوره ، حتى ولو كانت التعيينات في هذا المجلس تستند الى معايير طائفية ، حزبية ، وتحاصصية، لكن يبقى إلقاء الحجة واجبا وطنيا وقانونيا وأخلاقيا على المعترضين وهم لم يلجأو إليه .
في لبنان كما في فرنسا، يُستشار مجلس شورى الدولة في مشاريع النصوص سواء بوجه إجباري أو اختياري . وهو اختياري في فرنسا بالنسبة لاقتراحات القوانين (استشارة مجلس الشورى بشأنها ممكنة منذ الإصلاح الدستوري للعام 2008) وإجباري في ما يخصّ مشاريع القوانين أو االمراسيم التشريعية أو المراسيم التي لا يتمّ تبنّيها سوى بعد استشارة المجلس. ويمكن للمجلس أن يُستشار من قبل الوزراء حيال صعوبات تنشأ في مسائل إدارية . بعض هذه الآراء المقدّمة في هذا الإطار تُعدّ مراجع لبعض المسائل، تماماً كما القرارات التي تتخذها المحكمة الإدارية (كما هي الحال في ما يخصّ الرأي الذي قدّمه المجلس في قضية إرتداء الحجاب في المدارس في مسألة العلمانية أو الرأي الذي قدّمه في موضوع لجوء الشخصيات العامة إلى التحكيم) واستطاعت حتى أن تقود إلى إصلاحات تشريعية هامة. تقود القيمة المضافة لهذه الآراء على نوعية النصوص أيضاً إلى توسيع الدور الإستشاري إلى محاكم إدارية أخرى يمكن إستشارتها مثلاً من قبل المحافظين .
بشكل عام مرّ نظام مجلس شورى الدولة اللبناني على مختلف الحالات التي تكون فيها استتشارة المجلس وجوبية أو جوازية. وتنصّ المادة 57 من النظام على الحالات التي يتوجّب إستشارته فيها (مشاريع المراسيم التشريعية ومشاريع النصوص التنظيمية وفي جميع المسائل التي نصّت القوانين والأنظمة على وجوب استشارته فيها) والحالات حيث الاستشارة ممكنة (مشاريع المعاهدات الدولية ومشاريع التعاميم وفي أي موضوع هام يقرر مجلس الوزراء استشارته فيه). ولكن يبدو أنّ هذه الصلاحيات المناطة بالمجلس تواجه منافسة إلى حدّ ما من هيئة أخرى هي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل ، التي يمكن استشارتها في ما يتعلّق بمشاريع قوانين أو مراسيم أو نصوص تنظيمية أو تعاميم أو معاهدات دولية . وحتى لو لم تكن استشارتها إجبارية، إلّا أنّ صلاحياتها تتقاطع مع صلاحية المجلس رغم أنّه مدعوّ، إضافة إلى دوره الإستشاري، إلى القيام بدور في صياغة مختلف هذه النصوص .
لعلّ أهمية استشارة المجلس الوجوبية تبرز من خلال الأثر الناتج عن تجاوزها، وهي بطلان العمل الذي صدر من دون استشارته مسبقاً بشأنه. ويذهب مجلس الشورى الفرنسي إلى حد إبطال المراسيم التي يتمّ اتخاذها من دون استشارة مجلس الشورى لعيب في الإختصاص . وقد تبنّى المجلس الدستوري الفرنسي موقفاً مماثلاً ، حينا لأسباب إجرائية ، أحكاماً وردت ضمن مشاريع قوانين تمّ إقرارها من دون استشارة مجلس الشورى مسبقاً .
في الإتجاه نفسه، يعاقب مجلس الشورى اللبناني أيضاً على إغفال استشارة المجلس في الحالات التي تكون فيها وجوبية، ولكنه يفعل ذلك لمخالفة الأصول الجوهرية . بالتالي ، تتّجه فرنسا نحو تعزيز الدور الإستشاري لمجلس شورى الدولة ، سواء من خلال زيادة النصوص أو المسائل التي يجدر أو يمكن استشارته بشأنها ، أو من خلال إبطال النص الصادر بتجاوز للإستشارة الوجوبية المسبقة للمجلس. في المقابل فإنّ هذه الإستشارة في لبنان، على الرغم من أنّ إغفالها يعاقب عليه القانون، إلّا أنها لا تعطى الأهمية نفسها.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تغييب مجلس شورى الدولة في لبنان ولمصلحة من ؟
لا يكفي الأجابة هنا بأن المجلس الدستوري مسيّس ، وكذلك مجلس شورى الدولة ، فإلقاء الحجة كان واجبا وطنيا ، وكان أقل الواجب هو تقديم هذه الطعون وليرفضها المجلس الدستوري ، وليرفضها مجلس شورى الدولة .
زر الذهاب إلى الأعلى