رأي

من يحمي الجنوب يا نيافة البطريرك؟(حيدر شومان)

بقلم حيدر شومان

عندما يدخل نيافة البطريرك الراعي سراديب السياسة المتشعبة ويحفر بمعوله تربتها الصلدة فلا بد أن تجد من يوافقه في موقفه أو يخالفه، خصوصاً في قضية مقدسة عند الضفة الأخرى التي ترى في سلاح المقاومة خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه بأية صورة من الصور. وليس هذا الموقف عناداً أو تحدياً لأحد في الداخل (أو الخارج بطبيعة الحال) لكن نظرة فاحصة ماحصة لعقود قليلة من ماضينا، نحن أهل الجنوب، يظهر أن التمسك بالسلاح واجب والتخلي عنه خيانة، أياً كان المتمسك والخائن في مجتمعنا الصغير الرائد.

الذي لا يعلمه نيافته أن قضية المقاومة ولوازمها شأن لا يختص بفئة دون أخرى ولا حزب دون غيره، وإن كان المتصدي في حاضرنا فئة معينة أثبتت قدرتها ومهارتها وإخلاصها، والتجارب القديمة الجديدة تثبت ذلك أمام كل من لا يرى الجحود طريقاً للوصول. هذه القضية بيد من يرفض الاستسلام لعنجهية العدو الرابض أمامهم بعضاً من الأمتار.

لا نخالف البطريرك في نقوده السياسية الدائمة على حاملي السلاح المقاوم، فليقل ما يشاء ولينتقد كما يريد، فإن للسياسة أبواباً مشرّعة يدخلمن خلالها من يشاء سواءً كان الدخول محقاً أو باطلاً، لكننا نخالفه بمطالعاته التي بدأت تتكرر مؤخراً في قضية السلاح ومواجهة العدو الصهيوني.

التجارب الكثيرة الماضية في المواجهة ضد العدو أثبتت أن دولتنا الغراء، ومنذ ما قبل 1948، لم تستطع فعل شيء لردعه وإسكاته، كما أن الأطراف اللبنانية المتعددة في الانتماء دينياً ومذهبياً وحزبياً و… لم تستطع فعل اللازم أيضاً، سوى من بعض المقاومين الذين خلقوا من الضعف قوة، وظل أهل الجنوب يعانون الاحتلال والقصف والقتل والإذلال والخطر الدائم الذي لا يهدأ في تلك البقعة البعيدة عن مناطق لبنان الأخرى، مع أن لبنان ليس سوى قرية صغيرة جغرافياً مقارنة بالدول الأخرى. ولا حاجة للإعلان في كل مناسبة أن أهل الجنوب يعيشون بأمن وأمان منذ 2006، وهذا ما لم يحدث مطلقاً في تاريخ الصراع مع هذا العدو.

إن الذي يقرر مصير السلاح هم المتضررون من القابعين على الحدود مع فلسطين المحتلة، خصوصاً وأن التجارب السابقة مع أخوة الداخل لا تبشر بأي خير، ومن الغباء ترك مصير الجنوبيين في أيديهم . فقضايا العمالة ليست ببعيدة عن الذاكرة والوجدان ونبض القلوب، والتعامل القضائي مع العملاء في السنين القليلة الماضية يقرر مدى نظرة البعض في الداخل للعدو والموقف الاستراتيجي والتكتيكي منه.

لقد رحّب بك أهل الجنوب يا نيافة البطريرك عندما زرتهم وباركت مقاومتهم وسلاحهم وصمودهم، فما الذي تغير منذ ذلك الوقت؟ هل الظروف الدولية تبدلت أم السياسة اللبنانية أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لن تستطيع أن تدافع عن الجنوبيين بعظاتك ونصائحك واللجوء للأمم المتحدة والغرب طلباً للتدويل أو الحياد أو نزع سلاح الدفاع عن النفس، ولن يفيدك بعض الأحزاب المريبة في مواقفها ولا عائلاتها الإقطاعية التي لها ماضٍ بائس في التعامل مع العدو والتفاخر بذلك في بعض الأحيان. ما يفيدك يا نيافة البطريرك هو زيارة جديدة للجنوب والاستماع إلى أهله لعلك تعود إلى رأيك السابق وتبارك لأهل الشهداء موت أولادهم في سبيل ناسهم وتراب أرضهم، وتضمد جراحات من لا يزال يتألم من آلام الدفاع عن أقدس قضية.

نريدك أن تكون مع الضعفاء الذين طالما تعبوا من أعصار الاحتلال ولا معين، وخنوع طلب النجدة ولا منجد، فمن كان المسيح قدوته لا يعيش إلا مع هؤلاء، يقوي عزيمتهم ويشد على أياديهم ويدعو الله لهم أن يأتي اليوم الذي لا يبقى للعدو في قبالتهم من أثر. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى