من نكبة فلسطين.. إلى نكبة العرب (حسن علوش)
حسن علوش – الحوارنيوز
مقدمات تاريخية لتنشيط الذاكرة:
منذ بدء العقل الصهيوني بوضع المرتكزات المادية لمشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين، ونحن كعرب نوصّف المشروع ومخاطره على الأرض وعلى الهوية،من دون أن يكون لنا أي مبادرة جدية توقف تنفيذ المشروع، ولاحقا تضع حداً لتمدده، وانتقلنا اليوم الى مرحلة استجداء المجتمع الدولي لرد الظلم عنا، وكأن لا قدرة لنا على مواجهة ارتكابات العدو وجرائمه إلا بالبكاء والاستجداء.
بعد عشرين عاماً على المؤتمر الصهيوني الأول بزعامة تيودور هرتزل (عقد في مدينة بازل السويسرية بتاريخ 29 أغسطس 1897)، كان “وعد بلفور” 1917 الذي أصدرته الحكومة البريطانيّة لإعلان دعم تأسيس “وطن قوميّ للشعب اليهوديّ” في فلسطين، التي كانت فيها أقليّة يهوديّة (حوالي 3% من إجماليّ السكان).
وجاء في الرسالة – الوعد التي ارسلها آرثر بلفور الى ليونيل دي رتشيلد لينقلها بدوره الى الاتحاد الصهيوني: “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.”
البعد الاستعماري واضح في الرسالة، وهو جاء مكملا لإتفاقية سايكس بيكو 1916 والتي تقاسمت كل من فرنسا وبريطانيا فيها مناطق النفوذ، فكانت حصة المملكة المتحدة فلسطين والأردن وجنوب العراق، لتكتمل حلقات الوعد بتأسيس دولة اسرائيل، فيما بسطت فرنسا سلطتها الانتدابية على لبنان وسورية واجزاء من تركيا…
كل ذلك والعرب غائبون، ولا يوجد كيان موحّد قادر على مواجهة قرار دولي يستند الى قوة السلاp والإجبار والإكراه.
لقد جمعت الدول الاستعمارية والاتحاد الصهيوني، بين “الأساطير المؤسِسة لدولة اسرائيل” والمصالح الغربية في الشرق الغني.
رحلة قيام “إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة” بدأت وبحسب التفسير اليهودي للتوراة، كما في سفر التكوين حيث يذكر عهد الله مع ابراهيم :
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ اللهُ مِيثَاقاً مَعْ أَبْرَامَ قَائِلاً: «سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَرِيشِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ، وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20 وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21 وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.
وحسب هذا الإدعاء، تشمل حدود أرض إسرائيل كل الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وبحسن تفسيرات أخرى تبتلع اسرائيل المساحات كافة من نهر النيل الى نهر الفرات…
وللتاريخ فقد سجّلت الجيوش العربية، في الأيام الأولى من حرب عام 1948، تقدما وصفه مؤرخون بـ”التفوق الاستراتيجي”، وتمكنوا من تحرير أراض فلسطينية من سيطرة العصابات الصهيونية.
وشارك في هذه الحرب، إلى جانب الفلسطينيين، كل من الجيوش التابعة لـ”مصر، وسوريا، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية”.
لكن هذا النصر، سرعان ما تحوّل إلى هزيمة ، بعد أن انقلبت موازين المعركة إلى صالح العصابات الصهيونية، بمساعدة المنظّمات الدولية، والدول العظمى وتراجع الأنظمة العربية عن دعم مشروع جيش المتطوعين بقيادة فوزي القاوقجي والذي عرف بجيش لانقاذ، فتم حلّ جيش الانقاذ بحجة تدخل الجيوش الرسمية في الحرب!
وبحسب كتاب “الحرب من أجل فلسطين-إعادة كتابة تاريخ 1948″، فإن القوات العربية النظامية المشاركة في المعركة، تفاعلت من “منطلق مصالح بلادها الوطنية، وليس من منطلقات قومية – عروبية”.
كما أن الأنظمة المشاركة افتقدت، وفق الكتاب، الثقة في بعضها البعض ورفضت “وضع قواتها تحت قيادة دولة أخرى، وهو ما انعكس على ضعف إدارة المعركة”.
انتهت حقبة عرفت بالنكبة الأولى، وها نحن اليوم نشهد محاولة صهيونية مغطاة من قبل المجتمع الدولي، وأنظمة عربية عاجزة، نحو ما يمكن تسميته بمشروع النكبة الثانية.
لكن ما تغير بين النكبتين أن إرادة المقاومة الشعبية الفلسطينية واللبنانية قد اشتدت، وهو ما يمكن الرهان عليه من أجل إفشال مشروع النكبة الثانية.
الغرض من سرد هذه الوقائع التاريخية هو الدلالة على أن التاريخ اليوم يعيد نفسه:
- مجتمع دولي ماض في وعده
- أنظمة العربية عاجزة
- إجرام صهيوني متأصل في العقيدة والممارسة
فارق بسيط إضافي أن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية حاضرتان ولم تهزما بعد…
فكما قال المفكر مهدي عامل (حسن حمدان) “لست مهزوما ما دمت تقاوم”.
“لست مهزوما ما دمت تقاوم”.