كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
“..عندما يختلي الرئيس نجيب ميقاتي بنفسه آخر الليل، ويستعرض القضايا والهموم التي تواجه حكومته العتيدة بعد تكليفه مهام تشكيلها، سوف يستهول بلا شك حجم المشاكل الذي يواجه هذه الحكومة، خاصة إرث السنوات المنصرمة التي أعقبت حكومته الاولى إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري”…
كتبنا هذا الكلام في جريدة “السفير” في 27 كانون الثاني عام 2011 ،عندما كُلف نجيب ميقاتي تشكيل حكومته الثانية،في مقالة تحت عنوان:”حكومة للناس يا دولة الرئيس”.
وقلنا يومها أيضا: “الناس تريد يا دولة الرئيس كبح جماح وحش الغلاء وخفض أسعار المحروقات وتحسين الأجور وحداً أقصى من الكهرباء ومياهاً نظيفة وأشياء أخرى بسيطة وغير مستحيلة. عندها لن يجرؤ أحد على قلب ظهر المجن في وجهك، لا بالتحريض المذهبي ولا بالغضب والتوتر والتخريب. فمن تحميه الناس لن تغتاله السياسة، ونزعم يا دولة الرئيس أنك أهل لهذه المهمة”.
بالأمس كُلف نجيب ميقاتي تشكيل حكومته الثالثة.ولكن.. لا الزمان هو الزمان، ولا الأحوال هي الأحوال بعد عشر سنوات بالتمام والكمال.فهل “نجيب الثالث” هو ما يزال “نجيب الأول” أو “نجيب الثاني”؟
أمس قال “نجيب الثالث” إن أولوياته هي الدواء والمحروقات والكهرباء.وهي العناوين ذاتها التي تنكب “نجيب الثاني” لمعالجتها عام 2011،وهي كانت في ذلك الزمان متوفرة الى حد ما .لكن بعد عشر سنوات لم يبق في البلد دواء ولا كهرباء ولا محروقات،وباتت معالجة هذه الأزمات “مهمة شبه مستحيلة”،فهل يقوى نجيب ميقاتي على معالجتها وسط النكد السياسي الذي تعيشه البلاد؟
في المرات الثلاث التي كلف فيها نجيب ميقاتي، إبن طرابلس التي تعيش أقسى الظروف المعيشية والحياتية ،كانت الآفاق مسدودة في وجه البلد ،فتنكب هذا الثري الطرابلسي للمهمة تحت شعار الإنقاذ.
جاءت حكومته الأولى بعد الزلزال الذي ضرب لبنان باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005 ،واستقالة حكومة الرئيس عمر كرامي تحت ضغط الشارع.اختار نجيب ميقاتي حكومة من 14 وزيرا كانوا جميعهم تقريبا من خارج الطبقة السياسية التقليدية،وهي نالت الثقة من البرلمان بأغلبيه 110 أصوات ضد صوت واحد وامتناع 3 وغياب 11 .حينها كان البرلمان مكونا من 126 عضوا، وذلك لاغتيال نائبين فيه هما الرئيس رفيق الحريري وباسل فليحان.وقد حملت التشكيلة أسماء جديدة لم تكن رائجة في الوسطين السياسي والشعبي وهم:دميانوس قطار،شارل رزق،محمد جواد خليفة،بسام يمين،غسان سلامة(استقال لاحقا)،طارق متري،أسعد رزق،خالد قباني،محمود حمود،طراد حمادة ،عادل حمية،حسن السبع وآلان طابوريان والياس المر.
وقد أشرفت هذه الحكومة على الانتخابات النيابية التي جرت على أربع جولات بين 29 أيار و20 حزيران ،وقد توزعت على 15 كتلة بينها اثنان من المستقلين.
الحكومة الثانية لميقاتي شكلت في 13 حزيران عام 2011 ،بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري باستقالة الثلث المعطل منها.وكانت حكومة ميقاتي ثلاثينية وحملت أسماء جديدة أيضا ،وهي استمرت حتى 15 شباط 2014 ،وكان قد أعلن استقالته في 22 آذار 2013، بسبب عدم تشكيل هيئة للإشراف على الانتخابات البرلمانية ومعارضة التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي .
اليوم يتولى نجيب ميقاتي المهمة للمرة الثالثة في ظروف سياسية واقتصادية وحياتية ومعيشية أقل ما يقال فيها أنها كارثية،وليس من باب المبالغة القول إن ميقاتي في ظل هذه الظروف يتنكب “مهمة انتحارية” تحاكي المستحيل .
ومهما قيل في نجيب ميقاتي التي لم تترك بعض وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي “نقيصة” إلا وألصقتها به،فإن اللبنانيين الغارقين في عمق “الوحل المعيشي”،لا يملكون إلا منحه فرصة للانقاذ تبدو صعبة المنال ،وعلى قاعدة “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”،لأن البديل هو الاستمرار في الانهيار والسقوط والانحدار الى هاوية جهنم كما يرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
إن أولويات نجيب ميقاتي (الدواء والمحروقات والكهرباء) هي أقصى ما يطمح اللبنانيون الى مقاربته في هذه المرحلة ،في ظل هذا النظام السياسي الذي لم تتمكن الثورات والانتفاضات من إزاحته ،على الرغم من اهترائه ووصوله الى طريق مسدود.هذا اذا ما تيسر للحكومة الميقاتية الثالثة أن تتشكل بيسر كما يعد أربابها،وليس أمام اللبنانيين العاجزين عن التغيير إلا الصبر ..”وبشر الصابرين”!
زر الذهاب إلى الأعلى