من منا يدعم الآخر؟
د.أحمد عياش
ما ان استيقظ فجراً حتى ارتدى ثيابه العسكرية وفتح باب الدار وهمّ ّبالركض. همّ يهرول من أقصى الجنوب اللبناني قاطعاً الصحاري ومتسلقاً الجبال وسابحاً في الانهار باتجاه مضيق هرمز.
هرول نحو مضيق هرمز، جلس عند اوّل صخرة عربية بحرية، تناول من جعبته بعضاً من البن والماء وبابور كاز صغير ورثه من أمّه ، جلس ليراقب حركة سفن العدو. لصاحبنا رأي آخر و مختلف عن رأي قيادته رغم أنّه ينفذ الاوامر دوماً كمقاتل مؤمن، رغم ذلك تناول مكبراً للصوت و راح يصيح:
-يا ايهااا الاخوة الايرانيوووون ،يا ايهااا النااااس،العدو لن يأتي من هناااا،لن يعبر المضيق، لن يأتي من هنا يا نااااس، العدو قادم من رغيف الخبز، من المعدة الخاوية، من خونة المدن وعبيد المال…يا ناااس، قاتلوا وانتم في حالة شبع كي لا تقاتلوهم وانتم في حالة جوع ، يا ناس عند الحرب ينتصر من يمتلك سلاحاً مدمّراً شيطانياً وليس من يصلّي ويدعو الله اكثر، في الحرب ينزوي رجل الخير في صومعته، في الحرب يسرح ويمرح الشرّير.
إنتبه انّه قد خالف الأوامر، تدخل في ما لا يعنيه ،التفت من حوله،هدأ،لم يسمعه أحد،مهمّته مراقبة المضيق فقط، في قلبه كلام وعليه ان يقوله لأحد.
تناول فنجان القهوة ثم اعاده الى مكانه بسرعة، فكرة ما ،مرّت بباله، أعجبته، ابتسم، لا يبتسم صاحبنا الا حين يتفق مع نفسه، فكرة ،من منّاااا يدعم الآخر؟!
استرسل في التفكير والاستنتاج:
"قبل سنة، جلست عند باب قلعة حلب، كنت منهكاً من التعب، كنت عائداً للتوّ من معركة قاسية كدت استشهد فيها مرّتين، ما هذه الفكرة الطارئة ،من منّا يدعم الآخر؟!
هزّ رأسه محاولاً طرد الأفكار التي تهاجمه بقوة، افكار تسمّم منها وسمعها من يساري عتيق ثمّ عاد ليتناول القهوة بعد ان أطفأ بابور الكاز ، معجب بصوت البابور ، يستخدمه كمهدىء، راح يحدث نفسه:
"ما تأجلّت الحرب هنا عند مضيق هرمز الا لأنّني اسكن بيتي في جنوب لبنان و سلاحي قربي صاحٍ وفي الارض زرعت صواريخي ولاني املك قلباً مؤمناً لا يساوم ، ما تأجلّت الحرب هنا الا لأن جسدي و روحي وعقلي امتداد لجغرافية الجمهورية الاسلامية ، أنا من جعل حدودها تلامس حدود فلسطين المحتلّة، انا الجسر وهم العابرون عند الصبح خفافً، أنا من يحتفظ بقوة كلمة السرّ وبسرّ لحظة الصفر ، انا من يسكن جنوب لبنان وانا من يرى الكيان الاسرائيلي اوهن من بيت العنكبوت وانا سلاحي كحجارتي إن رميتها كيفما اردت لقتلت صهيونيا ومستوطنا وغازياً لأمتي، من منّا يا ايها الناس، يدعم الآخر؟
رنّ جهازه العسكري ، المتصلّ أخوه قاسم المقاتل في اليمن،لم يطمئن على صحّته، اخوه مدرّب ممتاز لا يهاب الموت والويلات بل ساله فوراً :
-"أخي كيف حال اخونا عباس في بغداد، اخي حبيبي،عندي سؤال، هل فهمت من منّا يدعم الآخر؟!….
اقفل جهازه العسكري، ثبّت منظاره صوب السفن، إطمأن ان الحركة عادية، عاد الى جعبته، قليلاً من الماء والشاي من كفردونين، لبنة خيامية وجبنة من ميس الجبل وخبز مرقوق من حاروف وزيتون من عيثرون، جثم كالنمر على الصخرة العربية البحرية، انتبه لسؤال، من وزعنا على الجبهات بعيداً عن حدود المعركة الأصلية، معركة قتال اسرائيل، من المفترض ان ننتظر دعم الجبهات الاخرى لنا، ها نحن ندعم كل الجبهات، أي متآمر صهيوني خبيث يدير الحروب ويشعل الجبهات بعيدا عن فلسطين؟ جثم كالنمر يفكر، من منّا يدعم الآخر…؟!