كتب حيدر شومان- خاص الحوار نيوز
من مغترب لبناني لا يعيش ترفا في الحياة، لكنه يعيش حياة طبيعية ككل الناس في هذا الوجود، إلى اللبناني الذي تحطمت بين يديه كل المعاني السامية وبات العيش الكريم أسمى أمانيه…
أخجل منك وأنا في مكان بعيد من الغربة أشاهد معاناتك ودموعك وقلقاً من غد آتٍ لا شك سيحمل آلاماً جديدة، وغبناً جديداً، فمن تساوى يوماه في لبنان فهو ليس بمغبون… أخجل منك وأنا أبارك البسمة في عيني طفلي عند لعبة أتيته بها بلا عناء ولا سابق نية، وأنت تجهد في كل المرافق لتأمين الحليب لطفلك فلا تجده أو أن ثمنه لم يعد متاحاً فتجار الظلام أربكوا الحياة بكل جزئياتها وسحقوا الأمان أو ما تبقى منه، وما كان في داخلك دوماً من ثورة مشبوبة لتغيير النظام أو معارضة الفاسدين أو الكفر بالطبقة الحاكمة والعيش بسلام وحرية وأمان، قد خفُت وهجه وضعف نبضه، إذ لم يعد ما يشغل البال سوى إبعاد الجوع عن أطفالك الضعفاء.
أخجل منك وأنا أذهب إلى عملي بسيارة لا تقف في طابور طويل، ولا أقلق من مفاجآت الطريق حين العودة، فالمحطات هادئة أمام السيارات وبسمة صاحبها ترحب بي لأشتري أكثر وأعود إليه من جديد. فالمحروقات في أي بلد مهما بلغ من التخلّف مادة ضرورية متوفرة في كل الدروب ولا حاجة للعراك أو التقاتل أو استخدام الأسلحة لتأمينها أو بعض يسير منها. لكن الضروريات في بلدي باتت شحيحة إلا ما تيسر في السوق السوداء وأسعارها الخيالية التي لا يمكن لأكثر الناس شراؤها مهما بلغت التضحيات.
أخجل منك وأنا أعيش حياة عادية في بيت تنير الكهرباء أرجاءه ولا أفكر أنها نعمة مفقودة في بيتك، والانترنت يعمل في كل الأوقات والأمكنة ولا أتصور أن هناك ما سيحول دون استمراره، وقارورة الغاز متوفرة ولا يلزمها هي الأخرى طابور جديد للحصول عليها. هل أنا في نعمة أم أنك في نقمة؟
أخجل منك في كل تفاصيل حياتي التي أعيشها آمناً دون قلق أو خوف من الآتي القريب أو البعيد، أخجل منك عند تفاؤلي أو تأملي أو سعادتي أو لهوي ولعبي أو هنائي لما بين يدي، أو ما أترقّبه آجلاً، أو تجارة أنال منها شيئاً من الربح، أو راتباً يكفيني شهراً بكامله، ولا أفكر بالدولار وتلاعب السماسرة، أو عند دخولي المحلات لأشتري كل حاجياتي المتوفرة أمامي دون حاجة لشراء ما يزيد عنها خوفاً من انقطاعها أو غلاء سعرها، أو عند شراء دواء لطفلي في أية صيدلية عند أي زاوية من الشارع إذا ما تعرّض لزكام أو صداع أو جرح بسيط …
أخجل منك إذا ما زرت وطني وحدثتك بأمور لا تشغلك ولا تقلقك، أو إذا ما زلق لساني بما يختص بحياتي الآمنة والطبيعية، أو إذا ما ذكرت شيئاً من أحوال الغربة الميسرة وما يميزها عن مشاكل الوطن وهمومه. وحتى لو استطعت الحفاظ على مشاعرك ولم أخض في ما يضايقك من تفاهات نفسي ولساني فلا شك سأخجل منك عندما يحين موعد عودتي لأني سأتركك لمعاناتك وأمضي بعيداً إلى ما وراء الحدود والمعاناة.
أخجل منك إذا ما نصحتك بالصبر والتحمل، وأمّلتك بأوضاع لا بد أن تتغير، وانتقدت الظروف الشاذة التي يمارسها بعض المواطنين، وحمّلت الطبقة السياسية وزعماء الأمر الواقع مسؤولية مآل الأمور وترديها، ودعوت إلى ثورة عارمة يجب أن يطلقها المواطنون الذين اعتادوا الخنوع والخضوع والاستسلام وعدم قدرتهم على التغيير وذلك بانتخاب الفاسدين في كل مرة مع نقمتهم الدائمة عليهم وعلى ممارساتهم الشاذة.
أخجل من كل ذلك وكثير غيره لأنني مهما شاهدت معاناة أهلي من بعيد فلن أعيش معاناتهم، ومهما آلمني جور الظالمين عليهم فلن أذوق ألمهم، ومهما بكيت على مصائبهم المتتالية المتجددة في كل يوم فلن أفقه لغة المصائب الميدانية، وأراني في الختام أخجل من هذي السطور التي لا تسد رمقاً ولا ترفع ظلماً ولا تمنح أمناً لقلق خائف ولا تمسح الدمع عن عيني أب يرقب ألم طفله الجائع…
زر الذهاب إلى الأعلى