من طوفان الأقصى الى حرب غزة:مقاومة ردع أو بداية التحرير..؟(علي يوسف)
كتب علي يوسف:
منذ طوفان الأقصى ونحن نعيش حالة من فوضى المصطلحات ناتجة في الأساس عن الفوضى الفكرية التي تعيشها المنطقة والاقليم في العلاقة مع الغرب وشرطيّه الصهيوني صراعاً أو انصياعاً وخضوعاً.
في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، شرطي السيطرة الغربية والمحتل الغاصب للأراضي الفلسطينية،كانت كل ادوات واشكال الصراع العربية اشكالاً دفاعية بما في ذلك المقاومة والانتفاضات التي اقتصرت في الماضي على عمليات محدودة وان جاءت كثيفة احياناً.
إلا أن طوفان الأقصى لم يكن مجرد عملية مقاومة، بل كان اول عملية هجومية من أرض فلسطينية غير محتلة إلى الأرض المغتصبة التي يعتبرها العدو الصهيوني أرض كيانه وليس أرض احتلال، وباعتراف غربي شامل وكذلك دول التطبيع وكل الدول التي تطالب بدولة فلسطينية على حدود العام 1974.
وهي بهذا المعنى شكلت تحولاً كبيراً في نوع وأدوات الصراع، وشكلت لأول مرة حرباً تحمل معاني التهديد الوجودي للكيان الصهيوني وضرباً للمؤسسة العسكرية والأمنية للكيان، والذي يشكل البنيان الأساسي للكيان، كما شكل تهديداً للخريطة السياسية والعسكرية والاقتصادية للمنطقة التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو. وهذا ما يفسر اقدام المؤسسة الصهيونية بكل فروعها الرسمية والسياسية والأمنية، على رد وحشي بربري تدميري لكل شيء للإنسان والحجر والبنى التحتية جميعها، من المستشفيات والمدارس والجامعات وقتل الأطفال والنساء، إضافة الى مجيء الأساطيل الغربية حماية للكيان.
ولا أدري في الحقيقة حجم وعي حركة حماس وكل اطراف محور المقاومة المساندة لنوع وحجم ومفاعيل طوفان الأقصى، وما يدفعني على الشك هو السقوف السياسية المنخفضة للشعارات التي طرحت من تبييض السجون الى رفع الحصار الى وقف اطلاق النار الى دعم غزه ومقاومتها “ودعم القضية الفلسطينية”، والتي خرج عنها السقف الوحيد الذي جدده حزب الله باعتبار شهدائه شهداء على طريق القدس، علماً أن مشاركته في المعركة بقيت تحت شعار “دعماً لغزة ومقاومتها ودفاعاً عن لبنان استباقياً..؟” من دون تبرير واضح لتناقض السقفين السياسي للعمليات العسكرية من جهة، وللشهداء من جهة اخرى.. بما يعزز تناقضاً في الوعي والفكر ناتجا عن عدم وجود ثقافة الأمن القومي والاقليمي في الفكر والتعبير لدى حزب الله، مع أن كل مشروع مقاومته بناءً وممارسة سياسية وعسكرية وممارسة ودوراً في الاقليم يتطابق مع هذه الثقافة.
انطلاقاً من كل ذلك نطرح السؤال الموضوعي: هل نحن امام مقاومة ردع أم أمام بداية التحرير؟..
يجب القول بداية ان تعبير الردع هو تعبير دفاعي بمعنى أنك تملك قدرة ردع عدوك عن مهاجمتك، وهذا ما فعلته المقاومة الاسلامية في لبنان في العام 2000 وكرسته في حرب العام 2006 ، وهذا ما فعلته غزه في معركتين سابقتين متتاليتين حاولت فيها القوات الاسرائيلية الدخول الى غزه وحالت مفاجأة استخدام الكورنيت دون ذلك وتراجع القوات الصهيونية.
إلاّ أن مجريات حرب غزه بدأت هجومية وما تزال مستمرة وهي بالتالي، وان تكن باتت دفاعية بالمعنى العسكري بفعل دخول قوات صهيونية الى مناطق واسعه من غزه ورغم سقفها السياسي الذي ما يزال دفاعياً، فإن مفاعيل العملية بما خلقته من تداعيات عسكرية قدرة وزمناً والتغير الذي اصاب صورة الكيان الصهيوني وداعميه على المستوى الدولي، يجعلها واقعاً معركة هجومية مستمره تهدد الكيان وجودياً. وهذه احدى المبررات الاساسية لعدم التوصل الى اتفاق لوقف الحرب.. اضافة الى مبررات اخرى ملحقة تتعلق بحجم الخسائر.
كما ان حروب جبهات المساندة كلها باستثناء جبهة الضفة الغربية كونها تحت الاحتلال، هي ذات طابع هجومي رغم أن جميع المشاركين فيها يربطون استمرارها بقرار أي اتفاق في غزة، مع علمهم أن الأمر ليس كذلك وأن كل جبهة من جبهات المساندة خلقت واقعاً وسياقاً مستقلاً يشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني وتهديداً للسيطرة الغربية على المنطقة، ويؤشر الى تحولات تتماشى وتوازي التحولات الدولية في اتجاه عالم متعدد الأقطاب، ولو لم يصل الأمر الى سياق واضح في هذا الاتجاه، يتطلب تحديده سقوف سياسية للحرب أكثر ارتفاعاً وأكثر وضوحاً.
هل هذا يعني أننا في مرحلة بداية التحرير؟
يجب التأكيد أن الحرب المفتوحة التي نعيشها ضد الكيان الصهيوني وضد السيطرة الغربية عموماً، تتطلب رؤية وشعارات سياسية مختلفة عن تلك المطروحة والتي بمجملها دفاعية باستثناء شهداء على طريق القدس.
واذا كنا نعتقد جازمين أن الميدان وتطوراته سيفرض الارتفاع التدريجي بالسقف السياسي وصولاً الى الحرب المفتوحة الكبرى، إلاّ أن الانتقال الى بدء حرب التحرير على نحو واضح لا يزال يفتقد الى تكوين المحور الدولي الداعم لما قد تؤدي إليه هذه الحرب، أي انهيار مفاعيل سايكس بيكو وإقامة نظام اقليمي جديد.
أنه لخطأ كبير الوصول الى الحرب المفتوحة من دون تكوين هذا المحور، وأنه ايضاً لخطأ كبير ترك هذا الأمر لتطورات الميدان فقط، اذ أن هذا الأمر سيزيد كثيراً من كلفة المسار نحو هذا التكوين خسائر بشرية ومادية. وعدم السير الواضح نحو تكوين المحور من ضمن رؤية واضحة سوف يجعل دولاً كثيرة في الإقليم واقعة في مرحلة التردد، وبحيث تشكل ثقلاً على تسريع تكوين المحور وسيسمح للغرب بالاصرار على تشبيك عمليات التطبيع العربية مع العدو الصهيوني بمصالح أكثر عمقاً يزيد من صعوبات استقطاب دول التطبيع الى المحور بما يزيد من زمن الصراع ويزيد بالتالي من حجم الخسائر.
يجب أخذ الانهيارات المفاجئة بعين الإعتبار، ويجب أخذ الحيطة لتحصين محور المقاومة من إمكان انهيار أيّ من جبهاته، ويجب الأخذ بالاعتبار ان الكيان الصهيوني هو كيان يرتكز الى مصالح وحماية وأن انهيار المصالح أو الحماية قد يحصل في لحظة ما خصوصاً في الجيش الصهيوني المرتزق.
وعدم وجود جهوزية لاستقبال واستيعاب هذا الانهيار بانشاء نظام اقليمي بديل، سوف يدخل المنطقة في صراعات تجعلها تعيش أوضاعاً أسوأ من تلك التي عرفتها وتعرفها بفعل السيطرة الغربية المباشرة عبر الكيان الصهيوني، وغير المباشرة عبر الإخضاع والانصياع. وهذا خطر كبير يجب العمل على تفاديه.