رأيصحف

من «دولة السلاح» إلى «دولة القانون»؟(صلاح سلام)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء يقول:

 

في خطوة مفاجئة حملت أبعادًا رمزية أكثر منها ميدانية، أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط تسليم دفعة من الأسلحة التي كانت لا تزال بحوزة الحزب إلى قيادة الجيش اللبناني. ورغم أن الكمية المحدودة للسلاح المسلّم لا تُحدث فارقًا عسكريًا يُذكر، إلا أن التوقيت والسياق السياسي لهذه الخطوة يجعلانها بمثابة حدث وطني يستحق التوقف عنده.

المعروف منذ نهاية الحرب الأهلية، أن معظم الأحزاب اللبنانية بقيت تحتفظ ببقايا من ترساناتها، إما بدافع الحذر، أو بفعل غياب الثقة بالدولة. إلا أن إعلان جنبلاط التخلي عن هذه الرمزية، وإن كانت محدودة، يعبّر عن موقف سياسي واضح مفاده أن لا مستقبل للبنان خارج كنف الدولة ومؤسساتها الأمنية الشرعية. والأهم، أن الخطوة جاءت في لحظة داخلية حساسة تترافق مع ضغوط خارجية متزايدة لحسم ملف السلاح غير الشرعي، في مقدّمتها سلاح «حزب الله».

في خلفية المشهد، لا يمكن فصل ما قام به الزعيم الدرزي عن الورقة الأميركية التي حملها الموفد الأميركي طوم باراك مؤخرًا، والتي طرحت مقاربة «الخطوة مقابل الخطوة» لتسوية الملفات العالقة، وعلى رأسها سلاح «حزب الله». وكأن جنبلاط أراد أن يبعث برسالة ضمنية إلى الداخل والخارج، فحواها أن حصر السلاح بيد الدولة ليس فقط مطلبًا دوليًا، بل بات خيارًا وطنيًا يمكن أن يبدأ من الجبل.

الرسالة الأهم ربما تكمن في أن أحد أقطاب الحرب، الذين خاضوا المعارك وتحمَّلوا مسؤوليات جساماً في تاريخ لبنان المعاصر، يقرّ علنًا بأن «زمن الميليشيات» قد ولّى. وهذا ما يجعل من خطوته أكثر من مجرد تصرف حزبي، بقدر ما هي مساهمة رمزية في فتح الطريق أمام إعادة النقاش الجدي حول مستقبل السلاح خارج الدولة في لبنان، بعيدًا عن التخوين والتخويف، وبمنطق الحوار لا الإملاء.

ولعل ما يلفت في مضمون الخطوة هو أنها جاءت من شخصية سياسية لطالما عُرفت بقدرتها على التقاط التحولات الكبرى واستباقها بمواقف ذكية، تعبّر عن مزاج عام بدأ يتغير داخليًا على إيقاع المتغيرات الإقليمية، وتحت ضغط الواقعين الاقتصادي والسياسي المنهارين، حيث ما عاد بالإمكان فصل مشروع بناء الدولة عن ضرورة ضبط السلاح، ووقف ازدواجية القرار الأمني والعسكري.

من نافل القول أن خطوة الزعيم الوطني الكبير حملت أكثر من رسالة إلى شركائه في الوطن، إلى كل الأحزاب والجماعات المسلحة، وخاصة حزب الله، وإلى الذين كانوا حتى الأمس القريب حلفائه في السلاح، من مختلف التنظيمات الفلسطينية، لوضع ملفات السلاح على طاولة الحوار الجدي والواضح، مع تبيان الخطوات المطلوبة من كل طرف، بما فيها الدولة بالذات، التي ستتولى إدارة عمليات تسلم السلاح، سواءٌ من الحزب أم من الفصائل الفلسطينية.

أصبح واضحاً أن حزب الله يطالب بضمانات أمنية وإنمائية مقابل الموافقة على وضع سلاحه بتصرف قيادة الحيش اللبناني. أمنياً الخروقات الإسرائيلية المتصاعدة، والتي تحولت إلى «حرب إستنزاف» ضد كوادر الحزب وما تبقّى من بنيته العسكرية، لا تشجع الركون إلى الكلام عن وقف كل العمليات الإسرائيلية بعد تسليم السلاح، ولا بد من تعهد أميركي واضح وصارم، من أعلى مستويات الإدارة الأميركية، وقد يكون من الرئيس دونالد ترامب شخصياً، يضمن توقف العدو الإسرائيلي عن عمليات الإغتيالات اليومية، وقصف القرى في الجنوب والبقاع، والإلتزام الكامل بوقف العمليات العسكرية والإستخباراتية. 

كما لا بد من تعهدات أميركية وفرنسية جدّية بضمان إنسحاب القوات الإسرائيلية من النقاط الخمس، والمناطق المحتلة الأخرى، ولو على طريقة «خطوة..خطوة» التي جاءت في ورقة الموفد الأميركي، وفق برنامج زمني متفق عليه من الجانبين اللبناني والإسرائيلي بإشراف أميركي مباشر. 

أما إنمائياً فالمسألة تتعلق بإطلاق ورشة إعادة الإعمار فور بدء تنفيذ البرنامج المتفق عليه بالنسبة لتسليم السلاح والإنسحابات الإسرائيلية، ووضع برنامج أولويات قابل للتنفيذ السريع، وتنشيط مساعي الحصول على التمويل اللازم من الدول المانحة والمؤسسات الدولية.

ولعل إشارة جنبلاط إلى أن مزارع شبعا تعتبر سورية وتخضع للقرارالأممي ٢٤٢ الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب حزيران ١٩٦٧، ينهي الجدل البيزنطي الذي ساد في أعقاب الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية في أيار عام ٢٠٠٠، ليبرر بقاء التوتر على الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، والذي أدّى إلى حرب تموز ٢٠٠٦، خدمة للمصالح الإيرانية والسورية، على حساب إستمرار حالة عدم الإستقرار في لبنان، وتعزيز نفوذ دويلة المحور الإيراني، عبر حزب الله، والإمساك بقرار الحرب والسلم، كما حصل في الحرب المدمِّرة في العام الماضي. 

وأخيراً، سواءٌ كانت خطوة جنبلاط مبادرة فردية معزولة، أو تمهيدًا لتفاهم وطني أشمل برعاية عربية ودولية، فإنها تعيد طرح السؤال المركزي: متى يبدأ لبنان رحلة الخروج من «دولة السلاح»، إلى «دولة القانون؟ وهل يكون تسليم بندقية صغيرة بداية لحوار كبير طال انتظاره؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى