محمد صادق الحسيني
افادت مصادر صحافة استقصائية ، من احدى الدول الاوروبيه العظمى،حول الاتهامات التي اطلقها الرئيس الفرنسي ضد الدين الاسلامي قبل شهر تقريباً ، واتهم هذا الدين بانه يعاني من ازمة عالمية ، وما اعقب ذلك من عمليات ارهابية شبه منظمةٍ ، راح ضحيتها العديد من المواطنين الفرنسيين الابرياء ، افادت هذه المصادر بما يلي :
أولاً : ان جميع الجرائم الارهابية ، التي وقعت على ارض فرنسا مؤخراً بشكل خاص ، هي ليست عمليات فردية بلا جذور ، وانما هي عمليات منظمة ومنسقة وتهدف الى خدمة الرئيس الفرنسي شخصياً. والعمل على تحسين شعبيته وإبعاد انظار الفرنسيين عن الكارثة الصحية التي تعيشها البلاد ، بسبب جائحة كورونا .
ثانياً :ان الجهة الفرنسية ، المدعومة من اجهزة استخبارات وقوى ضغط دوليه ( ماسونية ) ، هي تنظيم سري يتكون اعضاؤه من منتسبين للاجهزة الامنية والعسكرية الفرنسية ، الذين لا زالوا في الخدمة . وهو تنظيم يشبه تنظيم : منظمة الجيش السري الفرنسي Organisation de l’Armée secrète ( OAS ) ، التي انشأت ابان حرب الاستقلال في الجزائر ، بهدف منع الحكومه الفرنسية من منح الاستقلال للجزائر .وقد نفذت هذه المنظمه السرية انقلابا عسكرياً بتاريخ ١٣/٥/١٩٥٨ كان هدفه المعلن هو منع تصويت البرلمان الفرنسي ، على تشكيل الحكومه الفرنسيه الجديدة ( آنذاك ) ، برئاسة السيد پيير فليملين Pierre Flimlin ، والتي يفترض ان تعرض على البرلمان ، بتاريخ يوم اعلان الانقلاب للحصول على الثقة . وهي الحكومه التي كان الانقلابيون يعتبرونها " خطراً " على المصالح القومية الفرنسية , كونها كانت ذات توجهات مؤيدة لمنح الاستقلال للجزائر .
وقد انتهى الانقلاب ، نتيجة مفاوضات مباشرةٍ بين مبعوث خاص للجنرال ديغول ، هو السيد جاك سوستيل Jaques Soustelle ، وبين قائد الانقلاب ، قائد قوات المظلات ، الجنرال جاك ماسّو Jaques M’assuefaccio ، والتي انتهت بالاتفاق على ان يقوم الجنرال ديغول بتشكيل حكومة جديدة . وهو الامر الذي حدث بتاريخ ١٥/٥/١٩٥٨ ، والذي اعقبه اعلان الجمهوريه الخامسة ، من قبل الجنرال ديغول ، والتي اصبح رئيساً لها ، من تاريخ ٨/١/١٩٥٩ وحتى ٢٨/٤/١٩٦٩ .
ثالثاً : لكن المفارقة ، في هذا السياق ، ان " منظمة الجيش السري الفرنسي " الحاليّه لا تعمل على إسقاط الرئيس ماكرون وحكومته وانما هي تعمل على تعزيز شعبيته وانقاذه من السقوط المحتم ، نتيجة فشله الذريع في ادارة ازمة الجائحة ، خاصة وان من يديرون هذه المنظمة من الشخصيات الامنية والعسكرية ، قد وصلوا الى قناعة بان الاشتباك الكلامي ، الذي يديره ماكرون مع اردوغان ، لم يعد كافياً لتحقيق الغرض ، مما جعلهم يلجأون الى تحريك عناصر " اسلامية " خلقت وتدار من قبلهم أصلاً وبمعرفة الرئيس ماكرون وساركوزي من قبله ، لتنفيذ عمليات الارهاب الاخيرة في فرنسا ، وذلك بهدف خلق او اختراع " عدو "وهمي ، غير موجود ، للشعب الفرنسي . وهي خطوة ستؤدي بلا شك الى تعزيز التيارات الفاشية داخل فرنسا ، كما انها ستزيد انتشار الفكر اليميني المتطرف في فرنسا داخل الاجهزة الامنية والعسكرية الفرنسية نفسها .
ثمة من يتسائل هل ما يجري حلقة من حلقات تدمير اوروبا تقودها منظمة بيلدين بيرگ المنظمة الماسونية الاخطر في العالم بعد ان استنفدوا اوراقهم في الوطن العربي وبلاد الشام ..!؟
رابعاً : من هنا فان من الأولى بالرئيس الفرنسي ان يلجأ الى تفكيك هذا الجيش اليميني السري ، الذي يعبث بأمن فرنسا ، تنفيذاً لخطط ستيف كوهين ، كبير مستشاري ترامب الاستراتيجيين سابقاً ، وهو الملقب بمايسترو التخطيط للانتخابات الشعبوية في اوروبا ، انطلاقاً من مقر قيادته العامة في بروكسل . خاصة وان مشكلة الاقتصاد الفرنسي ، وبالتالي المشاكل الاجتماعية في فرنسا ،اكبر بكثير من ان تغطي عليها حملات معادية للاسلام ، لن يكتب لها النجاح ، خاصةً وان التمادي في هذه الحملات سيفضي الى نتائج سلبية على شعبية ماكرون نفسه .
من هنا فان عليه الاقتداء بالمستشاره الالمانيه ، انجيلا ميركل ، التي اوعزت لوزيرة الدفاع في حكومتها ، بتاريخ ٢٤/٩/٢٠٢٠ ، باقالة رئيس جهاز الاستخبارات العسكريه في الجيش الالماني ، السيد كريستوف غرام ( Christof Gramm ) ، بسبب ارتباطاته بمجموعات اليمين المتطرف ( النازيين الذين تمولهم السعودية وعلى علاقة مع ستيف بانون أيضاً ) . علماً ان هذا لم يكن الاجراء الاول من نوعه ، ضد عناصر وتنظيمات المانية ارهابيه داخل افرع الجيش والاجهزه الأمنية ، حيث سبق ان تمت اقالة قائد شرطة ولاية هيسين ( Hessen ) / وسط المانيا / اواسط شهر تموز الماضي ،اضافة الى تسريح العديد من منتسبي الجيش والاجهزة الامنية الالمانيه في اوقات سابقة من هذا العام .
وهذا ما يؤكد ان هناك الكثير من الوسائل والاساليب لاستعادة الشعبيه غير اسلوب نشر خطاب الحقد والكراهيه الذي لجأ اليه الرئيس الفرنسي ، حفيد المستعمرين الفرنسيين للجزائر ، والذين قطعوا رؤوس ٥٠٠ من قادة الثوره الجزائرية ، قبل حوالي ١٧٠ عاماً ، ولا زال ماكرون نفسه يحتفظ بجماجمهم في المتحف الوطني الفرنسي في باريس ويرفض اعادتهم الى وطنهم الاصلي ، كي يتم دفنهم حسب الاصول الانسانية والاسلامية .
فكيف لمن يحتفظ بجماجم قادة جزائريين في متاحف بلاده ، منذ ما يقرب القرنين ، ان يطلق كل هذه الحمله المعادية للاسلام بذريعة ان " مسلم " قطع رأس فرنسي !؟
لقد حان الوقت لتحكيم العقل والمنطق بدلاً من مواصلة الغرور والممارسات الاستفزازية والعنصرية المقززه ، التي عفى عليها الزمن ..!
ولذلك نقول انه عندما يكشر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أنيابه من خلال اعادة إحياء هذا الجيش السري ، ليشن حملته الشعواء المعادية للإسلام والمسلمين، فهو لا يأتي بشيء جديد، بل يكشف عن الوجه الحقيقي لفرنسا الاستعمارية وقبلها الصليبية، فها هي اليوم تعود إلى عادتها القديمة المتجذرة في عمق التاريخ الإسلامي، وهي الكيد لهذا الدين الحنيف.
نستطيع القول ايضاً بان الفرنسيين بذلك يحاولون ايضاً تشويه سماحة الإسلام بشتى الطرق، لإظهاره أمام العالم كدين يحرّض على العنف، وهذا نابع من عداوتهم المتأصلة للمسلمين، وهناك محطات تاريخية عديدة تقف شاهداً على هذا المكر الفرنسي، وهي عندما تستهدف المسلمين إنما تستحضر ذلك الإرث التاريخي المعادي للإسلام، بنزعة انتقامية.
فمن لا يعرف ان فرنسا هي مهد الحملات الصليبية، فمنها انطلقت بهمجية لتجتاح العالم الإسلامي، وتعيث فيه فسادا وتنكيلا بالمسلمين، وعلى يدها كان أول احتلال أوروبي صليبي تعرضت له مصر في العهد الإسلامي، وكان البابا الفرنسي أوربان الثاني أول من أطلق دعوة للهجوم على الإسلام، وهو ما يعكس خشية الفرنسيين من عالمية الإسلام.
ولا يخفى دورهم في إطلاق حركة "الاستشراق"، فقد بدأها المستشرق الفرنسي سلفستير دي ساسي الذي أعد جيشاً من المستشرقين لغزو بلاد الإسلام، وهو من تبنى فكرة "علمنة" العالم الإسلامي وفصله عن الإسلام. وقد شن الفرنسيون أبشع حملة استعمار في العالم الإسلامي في العصر الحديث، وأمعنت في ارتكاب المجازر.
وليس أدل على ذلك مما أجرمته في حق الجزائريين، ليس فقط بقتل الإنسان وممارسة أساليب وحشية في التعذيب، بل أيضا بسعيها لطمس هويتهم الإسلامية، ومحاربة كل ما يمت للإسلام بصلة، ولا تزال تفتخر بتلك الجرائم جماجماً في متحف الإجرام الذي سمته متحف الإنسان كما ورد آنفاً ، وهو يجسد اللاإنسانية في أبشع صورها.
وفرنسا هي التي قصفت دمشق بكل وحشية وبشكل عشوائي لوقف مدالثورة السورية الكبرى أو ثورة عام 1925، الثورة التي انطلقت في سورية ضد الاستعمار الفرنسي في 21 تموز عام 1925 بقيادة ثوار جبل العرب في جنوب سورية، وانضم تحت لوائهم عدد من المجاهدين من مختلف مناطق سورية ولبنان والأردن تحت قيادة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة العام، وقد جاءت هذه الثورة كرد فعل على السياسات الدكتاتورية العسكرية التي اتبعتها السلطات الفرنسية والمتمثلة في تمزيق سورية إلى عدة دويلات وإلغاء الحريات وملاحقة الوطنيين وإثارة النزعات الطائفية ومحاربة الثقافة والطابع العربي للبلاد ومحاولة إحلالها بالثقافة الفرنسية، بالإضافة إلى رفض سلطات الانتداب عقد اتفاق مع القوى الوطنية السورية لوضع برنامج زمني لاستقلال سورية.
وفرنسا التي ورثت إرثا صليبيا ثقيلا، لم تتوقف عند هذا الحد، فقد كانت أول من خطط لإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين، بعد الحملة على الشام في عام 1799، والتي قادها نابليون بونابرت. وبحقدها الدفين للإسلام، حولت فرنسا الصراع مع العالم الإسلامي إلى صراع عقيدة، كما خططت لضربه عسكريا وثقافيا. وما كانت تضمره خلال العقود الماضية، لم يعد يحتمل أن تستمر في إخفائه، وإن كانت تعد الدسائس باستمرار للنيل من الدول الإسلامية.
وبالتالي فان ما يحصل حالياً من هجمة مسعورة على الإسلام هو ليس فقط مَكر يمكره ماكرون، بل هو ايضاً انعكاس لحقد دفين لدى فرنسا، وليس مجرد زوبعة يثيرها لغايات ماكرونية فقط، فالماكرونية هي امتداد لفرنسا الصليبية وفرنسا الاستعمارية المعاديتين للإسلام والمسلمين…!
ماكرون يلعب بالنار في اطار لعبة دولية جهنمية تحيك خيوطها الماسونية والصهيونية لاثارة نزعات عنصرية و"دينية" مشبوهة تسميها اسلاموية هي الوجه الاخر للقوى اليمينية من النازية الجديدة في كل من امريكا و اوروبا، وهي من كانت وراء كل ما حصل لبلادنا خلال اعوام ما سمي بالربيع العربي خلال عقد او يزيد ، تحاول دوائر المنهزمين والمنكسرين الامبريالين على بوابات عواصمنا اعادة احياءه عبر اساليب جديدة بعد ان فشلت كل محاولاتهم بالمناورة ببقايا القاعدة واخواتها في ساحات متعددة…!