بقلم د. عدنان عويّد*
من الظواهر الثقافيّة والفكريّة التي تستوقف الدارس والباحث والمتابع لمسار التراث العربيّ الإسلاميّ في تطوره التاريخيّ, وخاصة المعاصر منه، هو ذلك التداخل القائم بين العلوم التي نشأت وتطورت في أحضان التراث العربيّ الإسلاميّ. حيث أن العلاقة التداخليّة والتكامليّة (العضويّة) للنسق المعرفي (الابستمولوجي) بين كافة العلوم العربية الإسلامية, كانت هي السمة البارزة والعلامة الغالبة.
وهذه التداخليّة القائمة بين العلوم الإسلاميّة، كشف عنها كثير من العلماء، وأقرها عدد من الباحثين، وأثبتها المشتغلون والمتابعون للتراث العربي الإسلاميّ, ومنهم دعاة المنهج التكاملي. (1).
يرى دعاة المنهج التكامليّ في الخطاب الإسلاميّ من الفقهاء والمشتهدين المعاصرين من رجال الدين الإسلامي, إنَّ أبرَز ميزات “مفهوم الإسلام الأصيل” وأُسلوب المَعرِفة فيه هو: “التكامُل الجامِع”، كونه المنْهَج أو الأسلوب الأكثر وضوحاَ ومصداقيّة في فهم الإسلام والتعرف عليه، والأقرب دائمًا إلى العقْل والنَّفْس, لِيَكون مُنطَلقًا إلى التأويل والتَّفسير والحُكم.
لقد كان علماء الإسلام ومُفكِّروه ممن تبنى هذا المنهج حريصِين دائمًا على هذه النَّظرة الُتكامِليّة الجامِعة التي يشتمل عليها هذا المنهج، حيث اعتبروا أن أخطَر ما حاوَلتْه خُطَط المناهج الأخرى هو العمل على خلْق دوائر مُنفصِلة (بنيويّة – تفكيكيّة) في تناول الخطاب الإسلاميّ وتوظيفه في تفسير وتأويل النص والحكم به، فكلٌّ منهج منها يَستقِلُّ بنفْسِه إلى حد كبير رغم اتكاء بعضها على المناهج الأخرى كما تبن معنا في منهج علم الكلام على سبيل المثال لا الحصر، هذا وتُعرَض وجْهة نَظرِ دعاة المنهج التكامليّ على أنّها هِي من يمثل فهم الإسلام الصحيح، وبناءُ على ذلك يأتي تصور بعضُهم بأنَّ الفكْر الصوفيَّ أو الفكْر المُعتَزِليَّ أو الفكْر الفَلسفيَّ أو ما قال به الفقهاء وعلماء الكلام يُمثِّل كله مجتمعاً فهم الإسلام فهما عقلانياً أو منطقياً، منطلقين من أن:
1- نظْرة الفُقهاء تَهتمُّ بالجوانِب التَّشريعيَّة.
2- ونظْرة المُتصوِّفة تهتمُّ بالجوانِب الرُّوحيَّة والوجْدانيَّة.
3- ونظْرة عُلماء الكَلام تهتَمُّ بالعَقائد.
4- ونظْرة الفلاسفة والحكماء والأخْلاقيِّين تَهتمُّ بالفَضائل والرَّذائل وعلم ما وراء الطبيعة.
5- ونظْرة المؤرِّخين تَهتَمُّ بالسِّيَر والحَوادث.
6- ونظْرة الأُدباء تَهتَمُّ باللغة والأُسلوب والمجاز.
والواقِع أنَّ الإسلام يَجمَع هذه “العناصر” في وحْدة مُتكامِلة ولا يرى أنَّ كلَّ عُنصرٍ منها له طابَعه المستقل. وكلُّ عنصر مِن هذه العناصر إنَّما يمثِّل جزْءًا مُنفَصِلاً لا يَستطيع أن يَقوم بمُفرَده، وإنَّما هو مُتكامِل مع غَيره؛ سعيًا وراء الصُّورة الكامِلة الجامِعة، وهو على هذا النحْو لا يَتضارَب ولا يَتعارَض؛ وإنَّما يَتواءَم ويَتكامَل بوحدة عضويّة ولا أقول جدليّة.
إن النظْرة الجامِعة عند أصحاب المنهج التكامليّ العضويّ هي النَّظرة القُرآنيَّة الإسلاميَّة الأصيلة، نظْرة التكامُل والتوازُن لإقامة بِناءٍ ثَقافيّ إسلامي جامِع تتمثَّل فيه كلُّ القُوى الرُّوحيَّة والفكريّة، والنفْسيَّة، والماديَّة، والوجْدانيَّة، أي كل ما يتَّصل بالقلْب والعقْل والجسْم، وكلُّ مَطامِح الفكْر ومَطالِب الغَرائز، حتَّى تَصدُر عن مُوازَنة شامِلة, تَحفَظ الإنسانَ مِن شرِّ الانحِراف نحو مِحوَر الماديَّة الخالِصة أو الرُّوحيَّة الخالِصة، أو نحْو الرهبانيَّة أو نحْو العقلانيَّة المجردة أو الوجْدانيَّة؛ ذلك أنَّ الإنسان في تَركيبِه مُتكامِل، ولذلك كان لا بدَّ أنْ تكون نظْرته إلى الكَون والوجود والحياة مُتكامِلةً جامِعة. (2)
المنطلق المعرفي (الأبستمولوجيي) للمنهج التكامليّ:
ويتمثل في الاعتماد على:
1 – الجمع بين العقل والنقل لأنه لا تعارض بينهما في الحقيقة والواقع. فصحيح النقل عند دعاته لا بد أن يتفق وصريح العقل بالضرورة.
2 – الأخذ بظاهر النص إن كان مجرداً من القرائن الصارفة. -(أي خال من المجاز, أو التعدد في المعنى أو الدلالة في ظاهره أو باطنه) – ولم يتعارض والضرورة العقليّة.
3 – آيات القرآن يفسر بعضها بعضاً ويقرن بعضها بعضاً. أي القرآن يفسر بعضه, وبالتالي فإن المتشابه يفسر بالمحكم أو يحكم به انطلاقاً من مقاصد الدين الخيرة التي يدعو إليها النص المقدس. أو بتعبير آخر: تفسير المتشابه من الآيات بالمحكم, أو تأويله في ضوء المعقولات المرعيّة. وهو منهج الاماميّة والمعتزلة ومن سار في هديهما.(3).
4 – السنة القطعيّة تقرن الحديث بالقرآن. أي كل ما هو ثابت وصحيح في الحديث, كـالحديث المتواتر والمشهور أو حديث الأحاد الظني المجمع عليهما, أو ما يتوافق مع العقل. فهو يوافق القرآن.
5- الأثر المنقول إن كان صحيحاً وفق قواعد علميّ الرجال والحديث. يجب أن لا يعارض المحكم في القرآن أو الحديث الثابت صحته, فإذا لم يمكن تأويله، تسقطه المعارضة من الاعتبار. أي لا اعتراض عليه, وضرورة الأخذ به.
6- جواز التأويل عند وجود ما يقتضيه, أي ورود المجاز في النص, أو ما يخدم أو يؤكد مقاصد الدين.
7- الحمل على المجاز مع وجود القرينة الداعية لذلك.
*كاتب وباحث من سورية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- مجلة “نزوى”. مجلة ثقافية فصلية تصدر عن وزارة الإعلام في سلطنة عمان . المنهج التكاملي في قراءة التراث عند طه عبد الرحمن. للكاتب محمد بن عمر.
2- موقع الألوكة للثقافة – أصالة المنهج الإسلامي منهج التكامل الجامع. أنور الجندي.
3- راجع شبكة فجر الثقافة – الشيخ عبد الهادي الفضلي – منهج علم الكلام.