رأي

مناجاة خجولة إلى كبرياءغزة (حيدر شومان)

 

بقلم حيدر شومان – الحوار نيوز

ومضى شهر كامل من عمر المعاناة، شهر يقاس باللحظات والثواني، بالمعاناة التي تخط أطيافها عند كل السطور الحمراء… وأخجل من رسم الكلمات على وريقات بيضاء تذرف الدموع، وترسل الآهات الساخنة، والعجز يسود كل المشاعر، والخجل يحطم الكبرياء…

 ليست المرة الأولى التي يُضرب فيها قطاع غزة، ويُقتّل الأطفال والنساء، ولن تكون الأخيرة. وليست المرة الأولى التي تهدم البيوت ويُشرّد الناس، وليست المرة الأولى التي يخنع العرب وينامون سباتاً في حضن المذلة الأسود…

 المعادلة الواقعية تتمثل في جبروت “الرجل الأبيض” الذي يرعب زعاماتنا العربية، فكل من يخدش صورة السكون المريبة، لن يحظى ببركة ذلك الرجل الجبار. ممنوع الفعل ورد الفعل، ممنوع الشجب والإدانة، ممنوع الشكوى لله وغير الله، هذه كانت من قبل ترفاً سُمح به واليوم لا…

ما المانع أن يقتل الفلسطينيون ويشردوا من أرضهم مثنى وثلاث ورباع، طالما اعتبروا أن لديهم حقاً في هذه الأرض التي اغتصبها جنود الظلام، وباركتها دول الحضارة والديمقراطية والحداثة المنيرة؟ ما المانع أن تُذرف دماؤهم طالما يرتلون أناشيد الحرية والتحرير؟ أميركا والهنود الحمر قصة يعرفها الجميع لكن الذاكرة أحياناً تطغى بعد أن غمرتها غبارات السنين الطويلة، والأحداث الدموية العديدة، فلم العودة إلى الماضي طالما أن فرسان الحاضر يحكمون المشرقيْن، والضحايا مخلوقات ليست ذي شأن في القواميس الغربية المتحضرة؟

أميركا اتخذت القرار بالقضاء على المقاومة، حماس أو الجهاد أو غيرهما، فمن يأبه بالتسميات، فقد تتغير في الغد كما تتغير المفردات والأحداث والظروف. يجب معاقبة الفلسطينيين على الصمود في أرضهم، لا يحق لهم الصبر على النيران المشتعلة في كل حدب وصوب. معبر رفح سوف يُفتح حالاً إذا ما قرروا الإجلاء، فلم الصمود؟ كيف يجرؤون على تحدي جبابرة الأرض وجنودهم في كل الاتجاهات، ويدافعون عن أنفسهم ويحققون النجاحات؟ خلق العرب لكي يذعنوا، فما بال هؤلاء يرفضون الإذعان؟ فلتأكل النيران من أطفالهم ونسائهم وبيوتهم ومساجدهم والكنائس،  فليس هناك من حسيب ولا رقيب، ولا حتى طلب الاستئذان بالكلام. لقد مرَّ شهر ويمر آخر وسبات العرب لن يوقظه أنات الأطفال وجراحهم الدامية.

ولكن… كيف يستطيع هؤلاء أن يحاربوا؟ من أين يظهرون فجأة ويدكّون حصون الاحتلال؟ ألم يموتوا بعد؟ ألن يموتوا؟ من أين يأتون بهذه الجسارة العجيبة؟ ماذا يلزم فعله بعد كل ما ضُربوا للقضاء عليهم نهائياً؟ إنهم أقوى من الجلادين والقتلة، وصدورهم تهزأ من الرصاص والمدافع، تهزأ من الموت وآلام الفراق. تهزأ من كل أسلحة الدول المتقدمة والمتحضرة، تهزأ من تاريخها وقيمها وشعاراتها، فقد سقطت جميعا تحت أقدام المجاهدين وهم يواجهون لعنتها وظلامها وجبروتها السادي. دماء المجاهدين لن تذهب هباءً، ولن تسقط أجسادهم سدىً، لأنها تحضن الأرض التي أنجبتهم، وستبارك لهم دماءهم والأجساد.

المعاناة كبيرة، والآلام عظيمة، والشهداء الذين يمضون في سبيل الأرض كثر، وستبقى المعاناة والآلام، وسيكمل الشهداء رحلتهم إلى الحياة، فالسبيل إلى النصر ليس معبّداً بالرياحين،  وجنود الشيطان ما يزالون سائدين، ولكن الوصول إلى الغاية المنشودة آت ذات يوم، وهذا بإذن الله ليس ببعيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى