ملف الغاز والإستخراج:أسئلة للسيد نصرالله لإجلاء ملابسات سلطة منبطحة لا يُؤتمن لمفاوضاتها(علي يوسف)
كتب علي يوسف – الحوار نيوز
إنها المرة الأولى التي أصاب فيها بالاحباط بعد كلمة للسيد نصر الله ،وهي كلمته في اربعينية الإمام الحسين في بعلبك.
والاحباط ناجم عن وجود ملابسات في مضمون الكلمة وعدم وضوح لم نتعود عليه في كلمات سيد المقاومة.
وعلى طريقته في استعمال كلمة “قد” لتلافي الخطأ، فإننا نقول “قد” تكون هذه الملابسات وعدم الوضوح مقصودة لأسباب داخلية أو لتهدئة بهدف الحفاظ على عنصري المبادرة والمفاجأة.
ومهما كان الأمر لا بد من الإضاءة على هذه الملابسات من باب الإلتزام ،لأن الالتزام أهم من الطاعة، إلا اذا كانت الطاعة تستجيب للالتزام.
وتندرج الملابسات في موضوعين أساسيين: الأول موضوع الغاز والنفط والترسيم والاستخراج، والثاني موضوع المصارف والودائع.
اولاً: موضوع ملف الغاز والنفط والترسيم والاستخراج.
في هذا الموضوع كان السيد نصر الله قد وضع في كلماته السابقة 3 قواعد أساسية:
- التأكيد على حق لبنان في الحصول على موارده كاملة ومن دون أي انتقاص.
- فصل الترسيم عن موضوع الاستخراج ووضع القاعدة الذهبية “لا استخراج من دون استخراج”، واعتبار الترسيم مع الكيان الصهيوني مسألة تقنية. وأن ما يهم هو الثروة والقدرة على استخراجها والإفادة من فرصة حاجة اوروبا الى غاز البحر المتوسط لفرض رفع الحصار عن لبنان وبدء التنقيب والاستخراج في لبنان في مقابل استخراج الغاز من قبل العدو.
- عدم الاعتراف بالوساطة الأميركية وبالوسيط الصهيوني هوكشتاين كوسيط، مع ترك ما يسمى بالمفاوضات للسلطة اللبنانية تحت سقف القاعدة الذهبية التي وضعها السيد.
إلا أن المفاجأة في كلمته الأخيرة في أربعينية الإمام الحسين أن السيد تحدث عن معادلة جديدة هي “الاستخراج في مقابل الموافقة على المطالب اللبنانية” ؟؟ وهذه المعادلة تطرح ملابسات كثيرة مهمة ابرزها:
أ – ماذا تعني المطالب اللبنانية؟ وهل باتت الحقوق مطالب؟ ونطلبها ممن؟ ومن هي الجهة المسؤولة عنّا التي تقدم لها المطالب؟ وهل العدو حين يفاوض معنا يقدم لنا مطالب؟
ب – لقد تم وضع هذه “المطالب” من قبل السلطة اللبنانية، والتي وإن قيل أن موقفها موحد ، إلا أن تفاصيل موقفها تُقرأ في كتب متعددة وفقاً للتوجهات السياسية ،وهذا ما يظهر جلياً في تناقض المواقف الذي ظهر مؤخراً.
ج – كيف يمكن القبول بمطالب وضعتها سلطة بعض أركانها عملاء، إما بالارتباط المباشر مع العدو ،إن لم يكن الاسرائيلي فالأميركي الذي يحاصرناً. وإما بالارتباط غير المباشر مع هذا العدو، وهو الارتباط بالدور، أي بتنفيذ سياسات تصب في مصلحة مشروع الحصار المفروض على الشعب اللبناني ومشروع الافقار والإذلال وخدمة المافيات التي مارستها وتمارسها ما يسمى الحكومة اللبنانية بالتكافل مع المصرف المركزي وجمعية المصارف ومافيات الاحتكارات والمرتبطة مباشرة ومصلحياً بالمشروع الاميركي الاسرائيلي وبعض العربي ،للانتقام من لبنان على تحرير أرضه وتشكيل قوة ردع في مواجهة العدو، وصولاً إلى تشكيل خطر وجودي على العدو ،وكذلك المساهمة في إفشال مشاريع الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد والداعشية الخ …
وكيف يمكن الوثوق بسلطة تمنع الكهرباء عن شعبها بعدم قبول الهبات إستجابة للحصار الاميركي وتشرع الأبواب للأزمات المعيشية، استجابة لإذلال الشعب ،وتترك مصرف لبنان والمصارف تتحكم بمصائر اللبنانيين وبعيشهم وبالغلاء وبتوافر المواد والسلع وتقف لا مبالية أمام اضراب موظفي الدولة والقضاة الخ… وكل ذلك في إذلال يومي للشعب؟.
وكيف يمكن الوثوق بسلطة تمرر تعديل مهمة قوات اليونفيل في الجنوب تحت ستار “عدم الانتباه” في مؤامرة مكشوفة على المقاومة وبيئتها؟.
د – وأخطر الملابسات أن المطالب تتعلق بالترسيم مع إضافة مطلب السماح لشركة توتال باستئناف التنقيب ..
لنفترض أن العدو الاسرائيلي وافق على إعطائنا حوض قانا كاملاً الذي لا نعرف عنه شيئاً ،وحصل هو على حوض كاريش ووافق على الترسيم على هذا الأساس وتم الطلب الى شركة توتال باستئناف التنقيب في لبنان.
المشهد عندها سيكون كالتالي: سوف نصعد جميعاً الى القصر الجمهوري أو الى السراي الحكومي أو الى مجلس النواب ،ونقيم احتفالاً بانتصار لبنان في المفاوضات، أما العدو فسيبدأ باستخراج الغاز، وسنكون أمام معادلة “احتفال في مقابل استخراج” بدل “استخراج في مقابل استخراج”.
أما شركة توتال التي لم تلتزم بتنفيذ عقدها مع لبنان بل وصل بها الأمر إلى تزوير مكان الحفر في البلوك رقم 4 على مرأى ومسمع من وزارة الطاقة التي “تتجنب الخلاف مع الفرنسيين” ،فلم تجرؤ هذه السلطة على مقاضاتها ولم تضعها على اللائحة السوداء، كما يحصل في الدول التي تملك شيئاً من الكرامة، بل تطالب هذه السلطة بعودة هذه الشركة التي يمكن ان تزوّر مجدداً وألا تلتزم بعقودها مجدداً وأن تتركنا بعد وقت بحجة شهادة مزوّرة بعدم وجود الغاز أو بعدم جدوى استخراجه ، وذلك استجابة لطلب أميركي أو إسرائيلي لا فرق ؟؟ ألا يقولون “من جرب المجرب كان عقله مخربا”؟
هـ – واستتباعاً يجب الوقوف عند وضع لبنان والشعب اللبناني خلال هذه الفترة ،حيث سيجلس العدو ينظر إلينا ونحن نعيش الانهيار الكامل والخلافات والازمات والجوع وانعدام الخدمات والاضطرابات بما فيها الأمنية، في وقت يكون هو قد بدأ بتصدير الغاز الفلسطيني المنهوب من قبله الى اوروبا.
أليس هذا منظراً يمكن ارتقابه أو توقعه في ظل سلطة خانعة ومنبطحة للغرب الذي يحاصرنا لمصلحة عدونا؟ وهل يكفي الصراخ لطلب مساعدة شحادة من صندوق النقد الدولي توضع الشروط المذلة تلو الشروط للحصول على بعضها المقسّط؟
و – وكذلك من أخطر الملابسات أن هذه السلطة وحسب المعلومات المتوافرة طلبت عرضاً خطّياً من الوسيط ؟؟؟
والسؤال لماذا ؟؟ هل بهدف التمهيد لتوقيع اتفاق لبناني – اسرائيلي حول الترسيم بما يُدخل لبنان في التطبيع غير المباشر؟
قد يُعتبر هذا التساؤل بمثابة تجنّ على السلطة.. إلا أن سلطة من هذا النوع بهذه الارتباطات تجعل سؤالاً من هذا النوع مهماً ومهماً جداً !!
إن فصل موضوع الترسيم عن الاستخراج وربط الاستخراج بالاستخراج هو حجر الزاوية في تعديل توازن اقليمي بل دولي قد يصعب الوصول إليه سلماً ،بل يستحيل لأنه يشكل خطراً وجودياً على الكيان الإسرائيلي، إلاّ أنه الطريق الوحيد لايجاد تسويات في المنطقة تسمح باستعادة الاستقرار ومشاريع التنمية على مختلف مستوياتها.
ثانياً: موضوع المصارف والودائع.
بغض النظر عن الموقف من موضوع محاولة الحصول على الودائع بقوة السلاح والتي جرت في عدد من فروع المصارف، إلاّ أن الاقتراح الذي طرحه السيد نصر الله بتشكيل لجنة من السلطة ومصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئات المودعين لبحث الحلول يتجاهل عاملين أساسيين:
- أن وضع اليد على الودائع من قبل مصرف لبنان وجمعية المصارف واذلال المودعين ،لم يأت نتيجة اخطاء مهنية أو إهمال أو ظروف قاهرة ،بل جاء نتيجة خطة مدبرة شارك فيها مصرف لبنان وجمعية المصارف لتنفيذ المشروع الاميركي الاسرائيلي لإفقار وإذلال الشعب اللبناني، وبالتالي فإن اقتراح لجنة من الجلاد ومن الضحية لا أعتقد انه الطريق لمعالجة هذه المشكلة، بل هو تجاوز لها في اتجاه غير واضح وبلا أفق.
- ان معالجة موضوع المصارف والودائع هو من مسؤولية الدولة اللبنانية التي كان وما يزال عليها الإعلان صراحة عن ضمان أصل جميع الودائع بموجب قانون يتضمن خطة كاملة للمعالجة تحافظ على الحق بالودائع، كما كانت قيمتها قبل 17 تشرين في العام 2019 ،وبحيث يتم التعويض عن الخسائر التي أصابت المودعين وتحميل المسؤولين عن منفذي هذه المؤامرة ومنفذيها المسؤولية الكاملة عنها ووضع وتنفيذ خطة لاستنهاض قطاع مصرفي على اطلال النظام المصرفي الذي انهار لمصلحة المصرفيين.
خلاصة: على الرغم من كل هذه الملابسات فإن ثقتي بسيد المقاومة لم تتزحزح ،ولكن من لا يجهر في رأيه خدمة للصالح العام هو كالساكت عن الظلم، شيطان اخرس ، وان كان احتمال الخطأ في الرأي وفي التقدير وارداً.