رأي

ملتزمون السياق القانوني والإنساني لقضية المودعين(علي زبيب)

 

 بقلم الدكتور علي زبيب* – الحوارنيوز

 

في الذكرى السنوية الخامسة لبداية الأزمة المالية والإقتصادية والنقدية والمصرفية في ٢٠١٩/١٠/١٧، وللحقيقة والتاريخ،

 وفي خضم جرائم الحرب والإبادة التي ترتكبها آلة الإرهاب والقتل الإسرائيلية بحق شعبنا اللبناني، وكوننا مؤتمنين على حماية العدالة، وبصفتي محاميا منتسبا لأم النقابات “نقابة المحامين في بيروت”،

ومن موقعي كرئيس ل”لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين”، وفي ظل أُفول القضايا الداخلية الأساسية وأهمها قضية المودعين،

وفي ظل المبادرات المصرفية والتعاميم  غير الوافية والمشبوهة والتي تبدو في ظاهرها لصالح المودعين ولكنها جزء من سلسلة الإبقاء على الوضع الحالي المُدمّر لحقوق المودعين دون المس بإدارات المصارف القائمة والمُرتكبة،

 وحتى يكون موقفنا بغاية الوضوح لناحية توزيع المسؤوليات، تعليقاً على مقولة أن “الدولة قضمت أموال المودعين”،

 لا بد من التأكيد أننا في اللجنة ملتزمون السياق القانوني والطبيعي لهذه القضية الإنسانية والوطنية لناحية إعتبار المصارف التجارية اللبنانية هي المسؤولة المباشرة وبالدرجة الأولى عن رد الأموال لمودعيها، كونها وبموجب القانون المدين الأوحد للدائن وهو المودع. وهنا لا ننفي مسؤولية المصرف المركزي ومسؤولية الدولة ممثلة بالسلطة السياسة ومجالس النواب والحكومات المتعاقبة منذ نهاية الحرب، ولكن قانوناً فإن حق المودع يُطالب به حصراً من المصرف الذي قبل الوديعة، والذي هو بدوره المسؤول عن تحصيل حقوقه من المصرف المركزي أو الدولة أو أي طرف آخر قام المصرف بإقراضه إعتباطياً ودون أية ضمانات وعلى مسؤوليته، وعليه لا يجب البحث بالمس بأصول الدولة والتي هي ملك لجميع اللبنانيين ومنهم ليسوا بمودعين وخارج النظام المصرفي أصلاً.

كما لا بد من الإشارة إلى أن معظم أصحاب المصارف اللبنانية قد تنامت ثرواتهم في الخمس سنوات الماضية منذ بداية الأزمة، وإذا كانت الذريعة التي يلجأون إليها بأن الدولة اللبنانية قد قضمت ٦٠ مليار دولار (كما تدّعي المصارف)، فأين هي ال ٨٠ مليار دولار المتبقية؟ (وهو الفرق بين ما تدّعي المصارف بأن الدولة قد قضمته، ومجموع قيمة الودائع التي تم حجزها والبالغ حوالي ١٤٠ مليار دولار)، مع العلم بأن هذه الودائع قد إنخفضت إلى أقل من ٩٠ مليار دولار من جراء الهيركات “الإجرامي” الذي مارسته المصارف دون وجه حق وما تزال، وذلك بتغطية سافرة من المصرف المركزي وغض نظر خطير وفي بعض الأحيان تواطئ من العديد من القضاة.

إن هذا الأمر قد دفع بالمودعين إلى القيام بسحوبات شهرية بخسائر تصل إلى ٩٠٪؜ من قيمة أموالهم الحقيقية كما أدى إلى بيوعات للشيكات المصرفية بذات نسبة الخسارة. وما عمّق الهوّة هو إرتكاب المصارف اللبنانية لعملية إقصاء مالي شامل عبر الإقفال العشوائي للحسابات وإعدام هذه الحسابات عبر إجراء عروض فعلية وإيداعات لدى كتاب العدل لتصبح الخسارة ١٠٠٪؜. (كونه لا يمكن إيداع هذه الشيكات في أي مصرف آخر) وقد أدى ذلك بالمُحصّلة إلى خلق النظام المالي النقدي الموازي، وحفّز عمليات تبييض الأموال على أوسع نطاق، وقد يؤدي قريباً إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي FATF ،وهو ما سيُعمق الأزمة اللبنانية، حيث سيكون لدينا بلد دمره مسؤولوه إقتصادياً ودمّرته آلة الإجرام الصهيونية بنيوياً.

كل ذلك والقضاء بغالبيته في حالة ثبات عميق، ولجنة الرقابة على المصارف في حالة موت سريري، ولم نشهد لغاية الآن محاسبة رقابية أو قضائية حقيقية لواحد فقط من حيتان المصارف، ولم نرَ أي تطبيق للقوانين المرعية الإجراء وأبرزها القانون ٦٧/٢ وهو قانون وضع اليد على المصارف والذي قد يُحقق بعضاً من العدالة ويدفع بالقيّمين على المصارف على التحرك وكشف شركائهم من السياسيين ومحاولة إصلاح ما إرتكبوا.

بالرغم من الحرب الهمجية التي يتعرض لها وطننا الغالي، وإعطاء الأولوية لمواجهة العدوان والإجرام الذي يُرتكب بحق كل مواطن لبناني، فإن لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت لن تسكت عن محاولات طمس الحقيقة على العديد من الجبهات الرسمية والخاصة والإعلامية، وستبقى تُشكّل سنداً للمودعين وسدّاً منيعاً بوجه المحاولات العلنية المستترة لهضم ما تبقى من حقوق المودعين والتستّر على الجرائم المالية وتفادي المساءلة والمحاسبة المطلوبة.

كل ذلك بهدف تحقيق العدالة وإستعادة الإنتظام المالي العام عبر تفعيل الدورة الإقتصادية وتحفيز الإستثمار الخارجي المباشر وذلك بشكل أساسي من خلال إصلاح الوضع المصرفي عبر إعادة إنتاج قطاع مصرفي صحي وسليم ليشكل عاموداً فقرياً حقيقياً للإقتصاد اللبناني ورافعة لمصادر الإنتاج والتمويل، فور الإنتهاء من هذه الحرب الهمجية، وهو أمر يمكن تحقيقه أولاً عبر إقرار القوانين الأساسية والتي خيرٌ أن تأتي متأخرة من ألا تأتي أبداً، مثل قانون إعادة هيكلة المصارف وقانون الكابيتال كونترول وقوانين ضرورية أُخرى.

ومن هنا فقد إقتضى التوضيح حتى يعلم الجميع أن لجنتنا تقف على الضفّة الصحيحة من التاريخ لناحية الوقوف مع المودعين سدّاً منيعاً في مواجهة جميع محاولات طمس قضيتهم وإستغلال الحرب القائمة لدفن جريمة حجز أموالهم.

حمى الله لبنان ونصره على الدوام.

*محاضر جامعي ومحامٍ متخصص بالقوانين الإقتصادية الدولية.رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى