ملاحظات واقعية وحلول لأساليب وطرق التعليم في لبنان
المدرسة والاجتهاد والنجاح من أولويات مهام الأهل الراغبين بتحقيق طموحاتهم في بلوغ أطفالهم مراتب عليا في المجتمع، الا ان تلك الرغبات يعترضها بعض المشاكل والعقبات التي لا تتوقف فقط على تسديد الأقساط المدرسية المرتفعة، بل تمتد لتشمل القدرات الذهنية المعرفية والصحة النفسية لدى التلامذه أنفسهم من ناحية، وإستقرارا وهدوءاً في العلاقات العائلية وتشجيعا ومتابعة دراسية دائمة، من ناحية أخرى.
وأكثر ما يعاني منه التلامذة:
الافراط في الحركة واضطراب الانتباه والتركيز لأسباب تكوينية او لأسباب انعكاسية، الاعاقات التعليمية المترتبة عن خلل في الكتابة او عن اضطراب في القراءة واللفظ ،وضعف في خاصية حفظ المعلومات من ناحية ،ومن ناحية أخرى في التعبير واستخراج المعلومات الدالة عن فكرة النص ،إضافة لحالات الخوف والتردد وقلة الثقة بالقدرات نتيجة مقارنة الذات بقدرات الزملاء الآخرين ناهيك عن مشاكل ضعف النظر والسمع وبعض حالات الصرع والشخصيات الذهانية المستترة وحالات التوحد وضعف حدة الذكاء و عدم الرضا عن الشكل الجمالي الخاص ،من دون ان ننسى حالات الامراض العضوية المزمنة لدى الأطفال التي تتطلب غيابا للتلميذ عن المدرسة فنقصا في الحضور الدراسي و مسائل كثيرة أخرى نضطر هنا لإختصارها، ومن أهمها شرود وتوتر التلميذ بهموم الأهل المعيشية والصحية والاجتماعية ونزاعاتهم الشخصية فيما بينهم ومدى انعكاس ذلك على قدراته .
الا ان ما عدّدناه لا يكفي بحال المعالجة الفعالة لإكتمال حلقة التعلّم ولضمان نتيجة جيدة من الدراسة. فالمعلم ايضا يأتي الى المدرسة وهو يعاني من أزمات اقتصادية-مالية-اجتماعية-عائلية-معيشية -حياتية-سياسية تؤثر على قدراته و رغباته في إيصال المعلومة باسلوب لائق وصحيح للتلامذة .واذا اضفنا حالات الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأساتذة كباقي أفراد المجتمع من حالات عصابية مزمنة ومتطورة لا مجال لتعدادها، وبعض حالات الذهان المستترة بالأدب والخيال والعلوم والاضطراب في العلاقات بين الأساتذة أنفسهم لأسباب طبقية و طائفية ومناطقية ، والأسوأ أيضا لأسباب مجهولة غير معلنة انما محسوسة في السلوك و أيضاً في خلل العلاقة في التواصل بينهم وبين ادارة المدرسة من جهة ، والتي عادة من يتبوأ قيادتها من هم من اتباع امراء الطوائف والمحسوبيات السياسية والحزبية، وما لذلك من ارتدادات سيئة ،إذ يترأس الأحمق الذكي والجاهل المتعلم ،ومن جهة اخرى في الخلل في العلاقة بينهم وبين وزارة التربية والتعليم لدولتهم نتيجة شعور الغبن اللاحق بهم لعدم حسن تصنيفهم ولعدم إعطائهم حقوقهم الا بعد التظاهر والمطالبات المذلة في الشارع .فأي مشهد هذا ان يرى التلميذ استاذه يصرخ في الشارع مطالبا برغيف الخبز والاحترام؟!
لا يأتي التلميذ الى المدرسة حاملا حقيبة كتب ثقيلة على كتفيه فقط، بل يأتي حاملا همومه وهموم عائلته الصغيرة وشوقه لألعابه وللهوه ولفرحه ،ويأتي الأستاذ الى المدرسة ليس حاملا لدفاتره ولاقلامه فقط ،بل يحضر أيضاً حاملا لهمومه ولهمّ عائلته ولحزنه الكبير ولتوقه للفرح الضائع ولآماله المبعثرة ولاضطراباته النفسية ولنشرات الأخبار والطقس ولاضطراباته الوجودية ولهموم الوطن كلّه.
بدل أن نعرف كيف نواجه الهاتف الخلوي وما يحتويه والحاسوب المحمول بألعابه وويلاته وادمان التلامذة على مصادر لذاته، لنستفيد من تلك الآلات الالكترونية في انضاج ادمغة جديدة الكترونية صالحة نجد أيضا الأساتذة مدمنين بدورهم على "فايسبوك" و"انستغرام" استعراضي للذات ،وعلى "واتس آب" يمنع التواصل الهادىء بينهم في غرفة استراحة الأساتذة، ما يورط الجميع في علاقات مشبوهة و موترة ولنخلص الى نتيحة واحدة ان القطاع التعليمي يعاني ليس من أزمتين بل من ثلاث:إضطراب في التعلّم ،وازمة في التعليم ،وخلل في استراتيجية تربوية لبناء المواطن والوطن والمواطنية.
*طبيب نفسي