ملاحظات على تطورات قضية سد النهضة:المساعي تغلّب الحل السياسي(محمد رقية)
كتب د.محمد رقية
من خلال الاطلاع على آخر التطورات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي يمكن تسجيل الملاحظات الآتية عدا عن ما ذكرناه في المقالات السابقة عن هذا السد:
1- ما زال الجانب الإثيوبي يركب رأسه ويرفض التفاوض على عملية الملء الثانية وما زال يتخذ قرارات أحادية في أزمة سد النهضة، ولا يلتزم بالاتفاقيات الدولية للأنهار. وأكد رئيس وزراء اثيوبيا بأن الملء الثاني سيتم خلال شهري تموز وآب المقبلين .
2- في الأشهر الأخيرة ظهر تحول مهم في موقف السودان، المرتبط بقضية سد النهضة من الترحيب إلى التشكيك والعدائية ويعكس هذا التحول، في جزء كبير منه، التأثير المتزايد للجيش على الحكومة الانتقالية.
3- رغم أن اثيوبيا لم تغير موقفها السياسي إلا أن هناك بعض التشكيك في وجود مشاكل فنية وإدارية في السد تواجها اثيوبيا. فقد قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هاني رسلان، إن إثيوبيا فشلت بنسبة 70% في تحقيق المستهدف من سد النهضة، مبينا أن إثيوبيا تحدثت بأن هناك إنجازات في موضوع الكهرباء المولدة من السد، وتحدثت عن تشغيل التوربينات، وحاولت أن تخلق أجواء إيجابية ولكنها فشلت في هذا الأمر”.
وقال إن تصريحات وزير الري الإثيوبي حول فشل إثيوبيا في الملء الثاني لسد النهضة جاءت نتيجة فشل فني وإداري يُضاف لسجل طويل من الفشل الإثيوبي، موضحًا أنه حتى في الملء الأول للسد تم تخزين كمية مياه أقل من المستهدفة. وأضاف ، أن الملء الثاني لسد النهضة في ظل الوضع الحالي لن يزيد عن 4 مليارات متر مكعب وقد يكون 2-3 مليار متر مكعب،
وقال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة في هذا الصدد، إن إثيوبيا كانت تنوي تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه في سد النهضة هذا العام كقرار أحادي ولكنها فشلت في هذا الأمر. وأضاف أن الجانب الأيمن من سد النهضة به نواقص، ولم تستطع أثيوبيا تعلية الجانب الأوسط إلى 30 مترا، وارتفع فقط 13 مترا خلال هذه الفترة، لذلك فشلت في تخزين المياه، كما أن هذا الأمر قد يسبب أضرارا في الجانب الأيمن للسد لعدم اكتماله حال قدوم الفيضان. وأكد على وجود هذه المشاكل الفنية أيضا” وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور محمد عبد العاطي والدكتور هاني سويلم، أستاذ الموارد المائية بجامعة أخن الألمانية
4- عينت أمريكا جيفري فيلتمان مبعوثا” خاصا” للقرن الأفريقي الذي قام بإجراء مفاوضات ومشاورات مع الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان، وقال: نحن في المرحلة الأولى، وسنستمر في الشراكة الدبلوماسية مع الدول الثلاث لتحقيق أنسب حل لهذه الأزمة. وقالت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية: نعلم أن هناك مخاوف لدى الدول الثلاث، ويجب أن تكون هناك تسوية يوافق عليها جميع الأطراف.
5- بدأت مصر تتلمس المشاكل التي ستأتي من بناء سد النهضة وتضع خططا تتلاءم مع الوضع المستجد ما يشير إلى عدم وجود حلول فاعلة لهذا الأمر .
فقد استعرض وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي في إحدى لقاءاته الهامة في الرابع من حزيران الحالي حجم التحديات التي تواجه قطاع المياه في مصر وعلى رأسها الزيادة السكانية والتغيرات المناخية، حيث أنه من المتوقع حدوث زيادة السكان في مصر لحوالي 75 مليون نسمة في عام 2050 وهو ما يمثل ضغط كبير على الموارد المائية في مصر، بالإضافة للتغيرات المناخية المتزايدة في ظل الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة وكذلك ما تشهده مصر من ظواهر جوية متطرفة وغير مسبوقة ، بالإضافة لارتفاع منسوب سطح البحر وتأثير ذلك السلبى الخطير على المدن والمناطق الساحلية.
وأكد أن مصر تُعد من أكثر دول العالم التي تعانى من الشح المائي، حيث تُقدر موارد مصر المائية بحوالي 60 مليار متر مكعب سنويا من المياه معظمها يأتي من مياه نهر النيل بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة بالصحارى، وفى المقابل يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر لحوالي 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، ويتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية بالوادي والدلتا بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنويًا من المياه.
وأشار إلى قيام مصر بإعداد استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050 بتكلفة تصل إلى 900 مليار جنيه ووضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 تعتمد على أربعة محاور تتضمن:
أ – ترشيد استخدام المياه
ب – تحسين نوعية المياه
ج – توفير مصادر مائية إضافية
د – تهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه بإصدار قانون جديد للموارد المائية والري
وأوضح الوزير المصري أن هذه التحديات تستلزم بذل مجهودات مضنية لمواجهتها سواء على المستوى المجتمعي من خلال وعى المواطنين بأهمية ترشيد المياه والحفاظ عليها من كافة أشكال الهدر والتلوث، أو على المستوى الحكومي من خلال تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى التي تقوم الدولة بتنفيذها أو من خلال التطوير التشريعي، مؤكدًا أن مصر لديها خبرات وطنية متميزة في مجال الموارد المائية والري، بالشكل الذى يمكنها من التعامل مع مثل هذه التحديات بمنتهى الكفاءة وإيجاد الحلول العملية لها من خلال تحويل مثل هذه التحديات لفرص يستفيد منها المصريين،.
فعلى صعيد المشروعات القومية الكبرى التي تهدف إلى ترشيد استخدام المياه وتعظيم العائد من وحدة المياه، تقوم وزارة الموارد المائية والري حاليًا بتنفيذ المشروع القومي لتأهيل الترع والذى يهدف لتحسين عملية إدارة وتوزيع المياه، وتوصيل المياه لنهايات الترع ، كما تقوم الوزارة بالعمل في المشروع القومي للتحول من الري بالغمر لنظم الري الحديث من خلال تشجيع المزارعين على هذا التحول، والتوسع في استخدام تطبيقات الري الذكي، لما تمثله هذه النظم من أهمية واضحة في ترشيد استهلاك المياه، بالإضافة لمشروعات الحماية من اخطار السيول حيث تم تنفيذ أكثر من 1500 منشأة للحماية خلال السنوات الماضية، بالإضافة لتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى في مجال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي مثل مشروع الاستفادة من مياه مصرف بحر البقر بشرق الدلتا والاستفادة من مياه مصارف غرب الدلتا ومشروع مصرف المحسمة بالإضافة لإنشاء أكثر من 450 محطة خلط وسيط، وإزالة التعديات على نهر النيل والترع والمصارف ،.
وحول تطورات قضية مياه النيل والموقف الراهن إزاء المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، أكد على حرص مصر على استكمال المفاوضات، مع التأكيد على ثوابت مصر في حفظ حقوقها المائية وتحقيق المنفعة للجميع في أي اتفاق حول سد النهضة، والتأكيد على السعي للتوصل لاتفاق قانوني عادل وملزم للجميع يلبى طموحات جميع الدول في التنمية، ومؤكدًا على أن أي فعل يتم اتخاذه دون ذلك هو فعل أحادي مرفوض. ولاحقا” قال إن القاهرة اقترحت “15 سيناريو مختلف لملء وتشغيل سد النهضة” على مدار الأعوام الماضية على نحو يحقق المتطلبات الإثيوبية وبدون إحداث ضرر ملموس على دولتي المصب، إلا أن الجانب الإثيوبي “رفض جميع هذه المقترحات”.
وفي مجال الموارد الجديدة يتم الحديث حاليا بكثرة في مصر عن إنشاء محطات لتحلية مياه البحر. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على وجود قناعة بأن مشكلة السد لن تحل وستخسر مصر الكثير من الوارد المائي من نهر النيل وسيقود ذلك مع الزمن الى موت سريري لجزء مهم من هذا البلد العظيم .
6- صرح رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد الثلاثاء (1 حزيران ) بان إثيوبيا سوف تبني 100 سد صغير ومتوسط الحجم في مناطق متفرقة خلال السنة المالية المقبلة.
وقد رفضت مصر هذه التصريحات وقال السفير أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إن هذه التصريحات “تكشف مجددا عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها”.
وقال إن مصر لطالما أقرت بحق جميع دول حوض النيل في إقامة مشروعات مائية واستغلال موارد نهر النيل من أجل تحقيق التنمية لشعوبها الشقيقة. لكنه حذر من أن هذه المشروعات والمنشآت المائية يجب أن تقام بعد التنسيق والتشاور والاتفاق مع الدول التي قد تتأثر بها، وفي مقدمتها دول المصب. وأكد أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي ما هي إلا استمرار للنهج الإثيوبي “المؤسف الذي يضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق والتي تنظم الانتفاع من الأنهار الدولية والتي تفرض على إثيوبيا احترام حقوق الدول الأخرى”.
ورد على آبي أحمد أيضا الدكتور محمود أبو زيد، رئيس المجلس العربي للمياه ووزير الري الأسبق قائلا” : إن هذه التصريحات تهدف للإثارة وحماسة الشارع الإثيوبي المتصارع داخليًا، مشيرًا إلى أن آبي أحمد يقدم نفسه للإثيوبيين وكأنه مخلصهم من مصر والسودان الطامعين في الثروات الطبيعية الإثيوبية. وقال أن مثل هذه التصريحات تزيد من تشابك وتعقيد الأمور في ملف سد النهضة خصوصًا وأننا نعلم المخطط الإثيوبي حول بناء 4 سدود آخرى على جانبي النهر, وأشار إلى ضرورة وجود تنسيق بين الدول الثلاث في حال قرر أي من دول المنبع تدشين سد، مضيفًا: أن “آبي أحمد يدفع القاهرة والسودان لاتخاذ قرارات قد تعقد المشهد كله”.
وأكد أن إثيوبيا بنت حوالى 15 سدا لتوليد حوالى 3696 ميجاواط على الأنهار المشتركة بينها وبين الدول المجاورة لها، منها 4 سدود على النيل الأزرق المشترك مباشرة مع السودان ثم مصر لتوليد 647 ميجاواط، وسد واحد على أعالي نهر السوباط المشترك مباشرة مع جنوب السودان ثم السودان ومصر، كذلك سد على أعالي نهر عطبرة المشترك مباشرة مع إريتريا ثم السودان ومصر لتوليد 300 ميجاواط، و 4سدود على نهر الأواش المشترك مع جيبوتي لتوليد 124 ميجاواط، وسدين على نهر شبيلي المشترك مع الصومال لتوليد 150 ميجاواط، و 3 سدود على نهر أومو المشترك مع كينيا لتوليد 2475 ميجاواط.
وقال الدكتور عباس شراقي استاذ الجيولوجيا وخبير المياه بجامعة القاهرة، إن إعلان إثيوبيا عن إنشاء أكثر من 100 سد صغير ومتوسط تأتي ضمن الدعاية الانتخابية لحزب الازدهار الحاكم في إثيوبيا.
7- هناك لغط كبير وعدم تفاهم ومغالطات بعد قيام إثيوبيا بفتح المخارج المنخفضة في سد النهضة التي تقع على منسوب 542 مترا” ( فتحتين) وذلك تمهيداً لتجفيف الجزء الأوسط من السد للبدء في أعمال التعلية لتنفيذ عملية الملء للعام الثاني , حيث تقول اثيوبيا بأن هاتين الفتحتين تعطيان كميات المياه المطلوبة , إلا أن وزارة الري المصرية بينت عدم صحة ذلك وردت في بيان مؤلف من سبع نقاط أكدت فيه أن الادعاء الإثيوبي بأن المخارج المنخفضة وعددها (2) فتحة قادرة على إمرار متوسط تصريفات النيل الأزرق.. هو ادعاء غير صحيح حيث أن القدرة الحالية للتصريف لا تتعدى 50 مليون م3/ يوم لكلا الفتحتين، وهي كمية لا تفي باحتياجات دولتي المصب ولا تكافئ متوسط تصريفات النيل الأزرق. وكانت مصر قد طالبت في الأعوام الماضية زيادة عدد الفتحات هذه على حسابها دون الاستجابة لذلك .
وأكدت الوزارة : أما بخصوص ما ذكر بأن السد يطابق المواصفات العالمية، فهو ادعاء غير صحيح لأن إثيوبيا تقوم ببناء السد بطريقة غير سليمة، ونذكر على سبيل المثال: التغييرات في السد المساعد، تغيير مستوى فتحات التوربينات، إزالة (3) مخارج توربينات بعد تركيبهم، تخفيض عدد التوربينات من 16 الى 13، إزالة الاجزاء المعدنية للفتحات التي تعمل الآن ثم تركيبهم، عدم صب الخرسانة في أجزاء السد المختلفة بطريقة متجانسة، إضافة لما أثير من شبهات فساد تسببت في توقف المشروع لأكثر من مرة.
8- كثفت الحكومة المصرية في الفترة الاخيرة مساعيها الدبلوماسية مع الدول الإفريقية والعديد من دول العالم لكسب تأييدها في مسألة السد ومن بينها زيارة الرئيس المصري لجيبوتي في 27 أيار الماضي ولكن هذه المساعي لم تعط أكلها بشكل واضح حتى الآن .
9- يقول بعض المحللين السياسيين والعسكريين ومنهم عبد الباري عطوان بأن مصر مع السودان ستقوم بهجوم عسكري لضرب سد النهضة في حال عدم الوصول لاتفاق .
إني أعتقد من خلال الاطلاع على مختلف التصريحات والنوايا والمعطيات بأنه ليس هناك حل عسكري للموضوع، وستحاول مصر التسوية السياسية بكل إمكاناتها ، أو ستتقبل الواقع كما هو وكما يقول المثل ( لو بدها تشتي كانت غيمت ) وآمل أن أكون مخطئا”.
10- نتمنى كل الخير والازدهار لشعبنا العربي في مصر الشقيقة وندعم حكومته بكل قوة للحصول على حقوقه المائية بكل السبل والوسائل .