د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
نعم ، سيفوز الرئيس أردوغان في الانتخابات البرلمانية و الرئاسيّة، المقرّر اجراؤها بتاريخ ٢٠٢٣/٥/١٤ .موقفه وتصريحه بعدم تأجيل الانتخابات بسبب الزلزال الكارثي الذي ضربَ تركيا ،قبل شهر ، يبيّنان مدى ثقة الرجلُ بالفوز .
مقومات شخصّية و اخرى سياسيّة داخليّة مُعزّزة بمقومات خارجية ،اقليمية ودوليّة ستؤهّل السيد أردوغان الى الفوز . فما هي ؟
ابدأُ بأهم تلك المقومات و أولها في الذكر ،ان الرجلُ في السلطة منذ عام ٢٠٠٢ ،اي بعد سنة واحدة من تأسيس حزب العدالة والتنمية ، تولى رئاسة الوزراء لمدة ١١ سنة ، بعدها ،فاز ،عام ٢٠١٤ بالانتخابات الرئاسيّة ،ليكون اول رئيس تركي مُنتخب بالاقتراع المباشر ، وهو منصب ،وفقاً للدستور ،تشريفي بروتوكولي ، ولكن ، كان اردوغان يتناول كل امور البلاد ، في تصريحاته و مواقفه ، بحجة انه مواطن ،ومن حقّه ابداء الرأي والنقد و التعليق !
عام ٢٠١٥ وفي شهر تشرين الثاني ، اي بعد عام ونصف على توليه رئاسة الجمهورية ، قرأ جيداً اردوغان المشهد السياسي ،فدعا الى انتخابات مُبّكرة و حقّقَ نتائج افضل ، ونجح في البقاء فاعلاً اكثر في السلطة .
نجا اردوغان من محاولة انقلاب عام ٢٠١٦ ، و استطاع ان يوظّف الخطر الذي تعّرض له الى فرصة لتعزيز موقعه وسلطته و التخلص من مناوئيه ، وطرد اكثر من ٢٠٠ الف شخص من المؤسسات المدنية و العسكرية ،بذريعة مشاركتهم بشكل او بآخر في محاولة الانقلاب . استطاع ايضاً ان يحقّقُ طموحه بتغيير النظام السياسي في تركيا الى نظام رئاسي ،وذلك في استفتاء شعبي عام ٢٠١٧ ، مدعياً بعجز النظام البرلماني في بناء وتنمية الدولة ، و انَّ النظام الجمهوري انسبُ من البرلماني الى واقع وظروف تركيا .
قراءة سريعة لمسيرة الرئيس اردوغان تُظهِرْ تجربته السياسية وبرغماتيته وقدرته على تحقيق طموحاته وتحويل التحديات التي تواجهه الى فرص نجاح ، حتى ان خصومه السياسيين يصفونه بالرقم الصعب ، و يبحثون على مُرشّح رئاسي قادر على الفوز على اردوغان . وهذا ما يقودنا الى تناول مقومات سياسية داخلية تساعد الرئيس اردوغان على الفوز ، فالمعارضة السياسية والتي توصف “بالطاولة السداسيّة” ،والمؤلفة من الاحزاب الست الكبرى فشلت في التوافق على مرشّح رئاسي واحد ، الامر الذي يضعف كثيراً حظوظ المعارضة بالفوز ، ويشتتها .
تتجه الآن المعارضة لترشيح اكثر من واحد ، ما يؤدي الى توزيع اصوات الناخبين المعارضين على اكثر من مُرشّح ،ويعزّز فرص نجاح الرئيس اردوغان ، و يدعُمُ اقوال وتصريحات اردوغان الموّجهة للراي العام التركي ، ومفادها ” انَّ المعارضة مُشتته و ممزقة وسينعكس ذلك في أدائها عندما تقود البلاد ” ،اي ستدخل البلاد في فوضى الاحزاب و مصالحها التي ستكون على حساب مصلحة الشعب و الدولة . هذا هو جانب من الخطاب الذي يسّوقه حزب العدالة والتنمية ،وكذلك الرئيس اردوغان الى الشعب ،لتحذيره من المجازفة في التصويت على مرشّح ،لا يحظى بتوافق المعارضة انفسهم ،فكيف الحال عند استلامه السلطة !
هذا النوع من الاعلام والخطاب سيكون له اثر بليغ على الرأي العام التركي ،لاسيما اذا اقترن بنماذج المشاهد السياسية التي تعيشها دول وشعوب جارة لتركيا كالعراق ولبنان حيث تجارب المحاصصة او التوافق السياسي على السلطة بين احزاب و مكونات ، هي في اختلاف وتناقض حول الاهداف والسياسات ، ما يجعل مصلحة الاحزاب قبل واهم من مصلحة الدولة والشعب . مشاكل مستوى المعيشه والدخل التي يواجهها الشعب التركي اهم كثيراً ، بالنسبة له ، من ترف الديمقراطية ،التي تتدحرج وبسهولة في منطقتنا ،الى فوضى وفساد ومنافع حزبية و فردية .
تعاملَ الرئيس اردوغان و حزبه بذكاء مع الاثار المدّمرة التي خلفها الزلزال . اتخذَ اجراءات سريعة في منع سفر كافة المقاولين الذين ساهموا في تشييد المناطق السكنية ، وتوقيفهم ومقاضاتهم ، وسخّر الحزب والجيش في اغاثة المنكوبين ، وتعهد لهم ،في اكثر من خطاب مباشر ، ببناء مجمعات سكنية حديثة و في اقرب وقت ، وفعلاً بدأ العمل في ذلك . يدرك الرئيس اردوغان ما يجب عمله ،لمتضرري الزلزال و امام الراي العام ، خلال الشهرين القادميّن ،والسابقة لتاريخ الانتخابات .ستساهم بكل تأكيد انجازاته الملموسه والمشهوده ،في كسب الاصوات لصالحه .
أضيفُ على ما تقّدم من ذكر لمقومات فوز أردوغان ،مقومات اخرى ذات طابع اقليمي و دولي . ترغبُ وتسعى روسيا لفوز اردوغان ، وكذلك هو موقف ايران .بينهما و الرئيس اردوغان قاعدة صلبة من المباحثات و التفاهمات ،التي لاتخلو ،بكل تأكيد من صعوبات وحسابات مختلفة و احيانا متناقضة ،ولكن تأتي ( واقصد التفاهمات ) أُكُلُها . و ادرك اردوغان خطورة وكلفة تدخله السلبي في سوريا ، وكيف انسحب غيره ممن دعموا المعارضة او الجماعات المسلحة والارهابية بالمال وبالسلاح ،تحت شعارات زائفة و مضللّة ، ولاهداف سياسية ،فشلوا في تحقيقها . ادركَ ايضاً اللعبة الامريكية تجاه تركيا ( حليف في الناتو ) و تجاه قسد والجماعات المسلحة الاخرى ( حليف في سرقة النفط السوري وفي انشاء كيان كردي في سوريا وعلى الحدود التركية ) .
ستشجع موسكو وكذلك طهران سوريا وتركيا الى كثير من اللقاءات و توسيعها الى مستوى دبلوماسي رفيع ،على امل لقاء رئاسي بين القيادة التركية و السورية ،قد يكون موعده بأيام قبل الانتخابات.
* سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-، بروكسل