كتب حلمي موسى من غزة:
دخلت المفاوضات بين إسرائيل وحماس مرحلة بالغة الحرج في ظل ضغوطات كبيرة على الجانبين من قبل الإدارة الأمريكية والوسطاء، لإنجاز اتفاق على الأقل بشأن المرحلة الأولى قبل حلول شهر رمضان. ووجهت الإدارة الأمريكية أمس ضغوطاتها باتجاه حماس عندما أعلن مسؤول أمريكي أن مصير الهدنة المقترحة في غزة يعتمد على موقف حماس بعد أن أبدت إسرائيل موافقتها على مقترح باريس 2. ومع ذلك ليس هناك فعليا أي دليل على موافقة إسرائيل على هذا المقترح ،خصوصا وأن حكومة نتنياهو أعلنت اشتراطات بينها تسليم حماس قوائم بأسماء الأسرى الأحياء لديها وإعلان حماس أنها لن تقدم قوائم من دون ثمن.
وقال مسؤول أميركي امس إن مصير الهدنة المقترحة في غزة يعتمد على موافقة حركة حماس على إطلاق سراح “فئة محددة من الرهائن”، بعدما وافقت إسرائيل إلى حد كبير على الخطوط العريضة للاتفاق. وأضاف أن “الكرة الآن في ملعب حماس …وأن الإطار موجود، وقد قبله الإسرائيليون عملياً. ومن الممكن أن يبدأ اليوم وقف لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع في غزة إذا وافقت حماس على إطلاق سراح فئة محددة من الرهائن.. المرضى والجرحى وكبار السن والنساء”.
وتتواصل في القاهرة مباحثات على أعلى المستويات مع وفد حماس في ظل أنباء متضاربة عن وجود وفد إسرائيلي هناك. وكانت أنباء إسرائيية متعددة أشارت إلى أن نتنياهو وحكومته لم يمنحوا تفويضا واسعا لطاقمهم لتحريك المفاوضات، وأن التفويض كان قصرا على المساعدات الإنسانية وليس سواها. كما من المعروف أن الكثير من الجهات الإسرائيلية، وخصوصا أهالي الأسرى، يؤمنون بأن نتنياهو يعرقل الصفقة لأسباب تتعلق بائتلافه ومطامحه الشخصية ولذلك يصبون عليه جام غضبهم. وهذا ما يظهر في التظاهرات الكبيرة، سواء التي تطالب بصفقة تبادل سريعة أو التي تطالب باسقاط حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات عامة جديدة.
وبحسب تقارير إسرائيلية فإنّ حكومة نتنياهو أبلغت مصر وقطر أنها لن تعقد جولة جديدة من المفاوضات بشأن اتفاق إطلاق سراح الرهائن، قبل أن تقدّم حماس قائمة الأسرى المحتجزين لديها والذين ما زالوا على قيد الحياة. وتعتقد إسرائيل أنّ 134 أسيراً يوجدون لدى المقاومة، تقول إن من بينهم 31 جثة لأسرى، إضافة إلى 6 أسرى يحملون الجنسية الأميركية. وكانت إسرائيل قبل ذلك تقول إنها لن ترسل وفدها إلا بعد أن تقدم حماس ردودها عى مقترح باريس 2.
وزاد الأمريكيون من ضغطهم على حماس بإعلان أن الأخيرة ردت بالسلب على مقترح باريس 2 ،وهو ما لم يتأكد من أي جهة أخرى. وقال مسؤولون أمريكيون إن تقدما كبيرا حدث في الأسابيع الأخيرة ولكنه لم يصل إلى درجة اتفاق. وقال أحدهم: “نحن نعمل على مدار الساعة. لقد وقع الإسرائيليون على بنود الاتفاق والآن أصبحت الكرة في أيدي حماس”.
وتوحي أمريكا بأنها مارست ضغوطا على إسرائيل مؤخرا للموافقة على الإطار وتم حل الأمر في قمة باريس. و الآن، بعد أن قبلت إسرائيل مبادئ الإطار، “كل شيء يعتمد على موافقة حماس على إطلاق سراح المختطفين الذين تم تعريفهم على أنهم مختطفون معرضون للخطر، بمن فيهم النساء والأطفال والمسنين والمرضى”.
وكان مسؤولون كبار في حماس أعلنوا أن الحركة لن تسلم أي تفاصيل أو معلومات من دون مقابل و”يجب دفع ثمن باهظ من حيث إغاثة سكان غزة وإرساء وقف لإطلاق النار. وأوضحوا أن مطالبة إسرائيل بالحصول على قائمة بأسماء المختطفين الأحياء من أجل استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار لا يشكل ضغطا عليهم. وأن هناك مطالب واضحة على إسرائيل لتنفيذها حتى إطلاق سراح المختطفين وإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة.
وفي واحدة من أشد المقابلات انتقادا لنتنياهو أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك أن حوالي نصف الأسرى الإسرائيليين على قيد الحياة، وأن نتنياهو يؤجل القرار ما يجعل فرص عودتهم تتضاءل. وبحسب مقال طويل نشره في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، فإن إسرائيل تؤمن أن ما لا يقل عن نصف الأسرى الـ 134 الذين تحتجزهم حماس ما زالوا على قيد الحياة. ووفقا له، فهو لا يشك في أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يريد عودتهم ، لكن رئيس الوزراء يؤجل القرار، مما يعرضهم للخطر.
وأوضح باراك في المقال أن “إطلاق سراح الأسير واجب أخلاقي. إن ذلك ليس أكثر أهمية من القضاء على تهديد حماس، ولكنه أكثر إلحاحاً. والفشل في القيام بذلك سيكون عاراً جماعياً للقيادة الإسرائيلية، ووصمة عارعلى جبين المجتمع الإسرائيلي لأجيال قادمة.” كما كتب باراك في المقال أن صفقة الرهائن ما تزال ممكنة، على الرغم من أن مطالب حماس غير معقولة حتى الآن، وليس هناك هدف يستحق تحقيقه “بأي ثمن”. ووفقا له، فإن “إسرائيل دولة ذات سيادة ولها الحق في رفض اقتراح من شأنه أن يسبب ضررا أكثر من نفعه ، وخاصة اقتراح من منظمة إرهابية متعطشة للدماء مثل حماس. وفي الوقت نفسه، ليس من المنطقي الإعلان باستمرار عند وقف إطلاق النار النية لقتل نفس القادة، كما يفعل المسؤولون الإسرائيليون بشكل يومي، أثناء محاولتهم عقد صفقة، مع العلم أن بعض الرهائن يستخدمون كدروع بشرية، وذك من منطلق أنه بدل أن تتحدث عن إطلاق النار، إطلق النار عندما يتعين عليك ذلك.
وأكد باراك، أنه لا يشك في أن نتنياهو يريد رؤية المختطفين وقد عادوا، لكنه أشار إلى أنه “بالنظر إلى سجله، فإن كلماته تبدو جوفاء”. وادعى رئيس الوزراء السابق أن “نتنياهو رفض ست مرات خلال الأعوام الـ 12 الماضية الخطط التي اقترحها قادة الشاباك للقضاء على قيادة حماس. وبينما يؤجل القرار، يبقى الخطر على المختطفين كبيرا، وفرص إتمام الصفقة تتقلص”.
من جانبه تباهى وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير بدوره في عرقلة الهدنة وصفقة التبادل. وأعترف في مقابلة إذاعية: “لا أعرف تفاصيل (الصفقة). أعتقد أن الهدنة إشكالية. وقلت أيضا في المرة الماضية إن الأمر سيكون أكثر صعوبة، وكان لدينا بالفعل عدد أكبر من الضحايا. أقول دعونا ندمرهم ونسحقهم. لماذا لم ندخل رفح حتى الآن؟ أليس لدينا سوى التسول؟ هل نرسل رئيس الموساد للتسول؟ عليهم هم أن يتسولوا”.