سياسةمحليات لبنانية

الموازنة بلا رؤية إقتصادية ولا سياسية!

بوضوح لا يشوبه التباس، تؤشّر الموازنة المرسلة من الحكومة إلى المجلس النيابي على غياب واضح لأيّ تصوّر للسياسات الاقتصادية – الاجتماعية، أو لإدارة شؤون الاجتماع اللبناني من نواحيه المختلفة.
وغياب التصوّر هذا لا يقف عند حدود الإدارة الاقتصادية، وإنّما يتعداه، إلى الإدارة السياسيّة وهي أصل، ومولّدة أساسيّة لغيرها من السياسات، حتى ولو بدا الاقتصاد، أعلى كعبًا من غيره ويتصدّر الواجهة، نظرا لانعكاسه المباشر على الجماعات اللبنانيّة، يُسرًا كان أو عُسرا.
وفي حين أنّ الجدال قائم حول نسبة العجز إلى الناتج المحليّ الإجماليّ، فإنّ وزارة الماليّة ليس لديها رقما صحيحًا وثابتًا حول حجم هذا الناتج، خصوصا أنّ ما يقارب ٣٧ في المئة من الاقتصاد اللبناني هو غير نظامي ولا يدخل في حساباتها بأيّ شكل وطريقة، ومؤدّى هذا، غياب إمكانيّة تحديد معدّل النمو الاقتصادي بدقة وانتظام، حتى لو استند (التحديد)على معطيات مؤسّسات محليّة، أو خارجية، أو الاثنين معا، التي غالبا ما تأتي متباعدة ويشوبها التقلّب في غالبية الأحيان.
إنّ تحديد نسبة العجز إلى حجم الاقتصاد اللبناني، لم يخلُ يوما من انتقاد المؤسسات الدولية له، فتسمَه بالواهن، وغياب الدّقة فيه، وبعده عن الانتظام. فصندوق النقد الدولي ينتقد باستمرار تراجع مستوى المعلومات الإحصائية اللبنانية، والنواقص في الحسابات الوطنيّة، وضعف المؤشّرات الاجتماعية والتنموية وغيابها كليّا في كثير من الأحايين. وكذا الأمر بالنسبة لمؤسسة التمويل الدوليّة، التي تصف قاعدة المعلومات الإحصائيّة بالأضعف والأوهن بين دول المنطقة، سواء لناحية النوعية، والشموليّة، وحداثتها، ما يحول دون استخلاص التحليلات والتقديرات الصحيحة، وبالتالي رسم سياسات مبنيّة على وقائع صحيحة، ما يجعل مختلف السياسات رهينة للتخمين، وسوء التقدير، وتترك آثارا، جمّة، وسلبية على مجمل حياة الجماعات اللبنانيّة. هذا بالإضافة إلى غياب المعرفة الدقيقة بوضعيّة الميزان التجاري اللبنانيّ، نتيجة انتشار التهريب بأوسع نطاقاته، على المعابر البريّة والبحريّة والجويّة، المعلوم منها والمجهول.
إنّ الخلاف على نسبة العجز الذي برز في نقاش الحكومة للموازنة، هو خلاف وهميّ، لأنّ المعطيات المقدّمة بدورها تعوزها الدّقة، وغالبيّة المؤشرات التي يُنطلق منها لا يعوّل عليها، ولا يُستبعَد في ظلّ ما تقدّم أن يتخطى عجز الموازنة نسبة ١١ في المئة، فلا تقديرات الواردات ممكنة التحصيل، ولا سقف النفقات ستُحترم، وكلاهما غير مضمونين في ظلّ الإدارة السياسيّة الحاليّة، والخيل معقودة بنواصيها!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى