سياسةمحليات لبنانية

“الجماعة الإسلامية” على خطى مؤسسها فتحي يكن (زياد علوش)

 

د. زياد علوش – الحوار نيوز

يعتبر البعض ان الداعية الدكتور فتحي يكن ، كان رؤيوياً إبان تأسيسه ل”جبهة العمل الإسلامي” في لبنان العام 2006 ، مع ثلة من الشخصيات والحركات الاسلامية ، وبغض عن واقع الجبهة نفسها ، لعله وهو في مقامه الآن في اسعد لحظاته وهو يرى مشروعه يخطو بثبات في الواقع اللبناني، وربما اراده مفتاحاً نحو المدى الاقليمي السنّي الاوسع.

شُنت عليه حينها حرب شعواء من الوسط الاسلامي السنّي العام، لا سيما من رفاق الامس داخل الجماعة ، متهمة اياه بالالتحاق بالمحور الإيراني ، فكان رده في كتابه “ليت قومي يعلمون” افاض فيه بالحديث عن السامري داخل الجماعة وعن تحالفات الليبرالية السنيّة بعيداً عن المقاومة .

برأي الداعية يكن ان السنّة هم اهل المقاومة، وما ابتعادهم عنها في فترة ما الا نوع من الابتعاد عن القاعدة والاصول ، وإذا ما كان المحور المقاوم صادقاً في ادعاءاته نحو فلسطين وتحرير القدس ورفع شعار الوحدة الاسلامية ، فعلى السنّة ان يكونوا حلفاء صادقين اقوياء، وإذا ما خذلتهم تلك الادعاءات فإنهم بحاجة اكبر للإستعداد واستعادة الدور  .

اليوم وبعد 18 سنة على تأسيس الجبهة و 15 سنة على غياب الداعية يكن،  تلتحق الجماعة في لبنان، او بالاصح تعود للخيار المقاوم من باب التحالف مع حزب الله ، فتماهت في خطابها السياسي والاعلامي ، وانخرط جناحها العسكري “قوات الفجر” في إطار الإسناد اللبناني نصرة لغزة في تصديها للعدوان الاسرائيلي .

جملة معطيات دفعت الجماعة لحسم خيارها ، ابرزها تآكل التنظيم الدولي ، خسارتهم الحكم في مصر كتنظيم عام ، ومحاولة التضييق عليهم سعودياً وإماراتياً ، اضف الى ذلك فإن الكثير من التيارات المتشددة باتت تسحب البساط من تحتها بسبب تآكلها التدريجي نتيجة خياراتها السياسية الرمادية المتلاحقة كما في تونس وليبيا وغيرهما ، على ان الدرس المصري كان الاقسى الذي شكل الدافع الاساس نحو التغيير الجديد، لا سيما ان تركيا لم تشكل الملاذ الآمن البديل . من جهتها سرعت ايران من انضاج التحالف الجديد بفضل العلاقات التي تربط الجماعة في لبنان او كثير من قياداتها بحزب الله اللبناني، فكان من الطبيعي ان يستأثر المقربون من حزب الله داخل الجماعة اللبنانية بنتائج الانتخابات الاخيرة والتي جاءت بالشيخ “محمد طقوش” اميناً عاماً لها ، وكان الانتقال سلساً لأن الأجنحة الاخرى إن جاز التعبير كانت على قناعة بالمرحلة الضاغطة السابقة والتي تتطلب مقاربات ربما تتضمن بعض المغامرة نسبة لتاريخ الجماعة التقليدي ، على ان الخطوة في لبنان اكدت مساحة المرونة المتروكة عن التنظيم الدولي لكل بلد بما يتناسب وطبيعة التحديات التي يواجهها ، على ان الاخير يبدو هو نفسه حسم خياره العام بهذا الاتجاه ، على ان مسألة العداء لاسرائيل لا تتطلب ذلك الجهد الاستثنائي طالما شكلت تقاطعاً في الاساس رغم التباين في الوسائل والتي تقاطعت مؤخراً .

وعلى قاعدة من لم يقرأ المتغيرات ويتكيف معها مصيره الى الزوال ، كانت الخطوة الجديدة للجماعة في لبنان، والتي ربما ستعمق ازمتها مع السعودية والامارات ما يتطلب حسم خيارات اكثر بنيوية في بنية الجماعة وطريقة تفكيرها في ما يتعلق بخياراتها الاستراتيجية بالمواءمة بين الايديولوجيا والسياسة ، التي تتطلب الحذر من الذوبان الكلي ما يؤدي الى فقدان الشخصية التاريخية ، ما لم تجر قراءة نقدية حقيقية لطبيعة العلاقة الأخوانية السعودية .

ومع تمدد المقاومة من الجنوب الى عكار ومراسم تأبين الشهيدين ،مصعب سعيد خلف وبلال محمد خلف، يبدو ان الجماعة ارادتها زمناً لتأريخ جديد من التحالفات السياسية والتحشدات الشعبية ، وربما جاءت بشكل تلقائي رداً على ثنائية “باسيل- جعجع” حيث الاول يمعن بالمساومة باوراق يبدو انها فقدت تأثيرها عند الثنائي الشيعي خصوصاً حزب الله، وكذلك جاءت رداً على لقاء معراب الاخير وتصريحات جعجع بعدم قدرة حزب الله على حماية اللبنانيين ، بحيث ان تركيز الحزب الآن على التحالف الاسلامي الاسلامي والذي قد تؤمنه الجماعة بحده الادنى في ظل تجميد تيار المستقبل لنشاطه السياسي والاكتفاء بالغطاء السياسي المسيحي التقليدي القديم .

خصوم الجماعة الاسلامية يأخذون عليها أنها ستحيل سنّة لبنان من اهل الدولة الى منطق الدويلة، من الليبرالية التي طبعها بهم تيار المستقبل والتي حمتهم من “الدعشنة” وتهمة الارهاب اقله في العقل الغربي ، وان هذا التحالف سيستفيد منه حزب الله كونه الطرف الاقوى، وان المرجعية العامة لهذا المحور ستبقى بيد ايران ومشروعها التوسعي في المنطقة العربية على حد تعبيرهم ، كما انها ستؤدي الى عسكرة الواقع السنّي ووضعه على لائحة الاستهداف من قبل خصوم حزب الله، سواء اسرائيل او الاوروبيون او العرب.

وجهة النظر المقابلة تدحض مقولة عدم استهداف سنّة لبنان بالارهاب بالقول ان مناطقهم هي الأشد بؤساً واستهدافاً وساحات ساخنة لتبادل الرسائل، وشباب السنّة كانوا على الدوام يعتقلون على الشبهة وضحية الحركات المتطرفة، وأن المشروع العربي الحالي لا وجود له سوى بعض مشاهد التطبيع، وعند استعراض خيارات التحالف خصوصاً بعد اندلاع “طوفان الاقصى” باتت الصورة واضحة حيث سميت “حرب غزة” بالحرب الكاشفة وأن السنّة عموماً وسنّة لبنان خصوصاً، ليس لديهم المزيد من ترف الانتظار في الوقت الذي تمعن فيه اسرائيل والغرب كما العجز العربي بارتكاب الفظائع في غزة وعموم فلسطين ، حيث الدور التالي إذا ما تم تخطي غزة سيبلغ جميع العرب والمسلمين سنة وشيعة .

 

*كاتب صحفي ومحلل سياسي

  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى