بقلم الدكتور عماد عكوش – الحوار نيوز
تتفاقم الأزمة الأقتصادية في الكيان الصهيوني مع تفاقم الأزمة الأمنية وتزايد حدة الصراع بين العدو الأسرائيلي وفصائل المقاومة في قطاع غزة . ومع التحشيد الكبير الأعلامي والعسكري والذي تقوم به إسرائيل، يبدو ان الوضع ذاهب الى الأسوأ بالرغم من التداعيات الإنسانية الكبيرة التي يمكن ان تحصل، ولا سيما ان كامل البنية التحتية في القطاع تم أيقافها عن العمل ،سواء الكهرباء ، المياه ، المرافق ، ووسائل النقل .
ما يزيد من احتمالية بدء الهجوم البري الوشيك هو التصريحات التي يصدرها رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، حيث أكد على هذا الهجوم والذي يهدف من خلاله إلى محو القطاع عن الخارطة ،كما ردد في مناسبات عدة، فكان نداء إخلاء جنوب القطاع بداية التحضير لهذه العملية ،والتي يمكن ان تكون محدودة وفقا لنتائجها المتوقعة ، ويضاف اليها حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالكيان والتي أثرت بشكل كبيرعلى كل معنويات الكيان .
هنا نقف عند حجم الخسائر الاقتصادية منذ بداية المعركة بين الكيان الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، حيث بدأنا نشهد تراجعا في الاقتصادين: اقتصاد الكيان واقتصاد الفلسطينيين وسط تضرر العديد من القطاعات .
الخسائر الإسرائيلية
في حال نفذ الكيان الاسرائيلي تهديداته واجتياحه لقطاع غزة فإن الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بالاقتصاد الاسرائيلي ستتعمق وتتزايد، وسنشهد مزيدا من التراجع في قيمة العملة الاسرائيلية وسينخفض الشيكل، وقد يتجاوز سعر الدولار الأربعة شيكل ،وهذا سيؤدي الى مزيد من تضخم الاسعار وارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين وبنسب قد تزيد عن عشرة بالمئة في الايام المقبلة .
كما أن أكثر القطاعات تضرراً هي السياحة والنقل في ظل توقف حركة الطيران في مطار بن غورين ومغادرة السياح للبلاد ، بل وبعض الإسرائيليين أنفسهم بدأوا يغادرون البلاد ، ما سيؤدي لنزيف في هذا القطاع . ويقدر حجم عائدات السياحة الوافدة لعام 2022 بنحو 13.5 مليار شيكل (أكثر من 3.6 مليار يورو) دون احتساب الإنفاق السياحي على الرحلات الجوية مع إسرائيل مقارنة بنحو 23 مليار شيكل (أكثر من 6 مليارات يورو) في عام 2019.
أما عن قطاع التكنولوجيا فحدث ولا حرج. فقطاع التكنولوجيا في إسرائيل قد بدأ ينزف حتى قبل الحرب الحالية، بعد نزوح أكثر من 60 مليار دولار منه بحسب البيانات الإسرائيلية نتيجة للأزمة الداخلية وانعكاسات الصراع على ملف القضاء .
هنا نشير الى أن حجم الأضرار سيعتمد على تطور ساحة الحرب، من قبيل هل ستمتد إلى ساحات أخرى ، وكيف ستتطور الحالة الأمنية في الضفة الغربية . وهذا يؤكد أمرا واحدا وهو أن الاقتصاد الإسرائيلي سيدفع ثمناً أكبر بكثير كلما طالت الحرب واتسعت .
ما يزيد الأمر سوءا هو تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل في شهر نيسان الماضي ، ومن المفترض وجود مراجعة ثانية للتصنيف في تشرين الأول الحالي ، وهناك تلويح بتخفيض جديد لهذا التصنيف ، كما أن هناك ارتفاعاً كبيراً في تكلفة التأمين على السندات الإسرائيلية ، ما قد يؤثر على قدرة إسرائيل على سداد هذه السندات وهروب من الاكتتاب بها ،ما يضاعف الكلفة على الحكومة كما يضاعف العجز في الموازنة لعام 2023 ولاحقا عام 2024 ،ويمكن ان يتجاوز هذا العجز نسبة 2 بالمئة من الناتج القومي حتى نهاية هذا العام، وهو رقم قياسي في تاريخ أسرائيل .
وهنا نشير الى ان وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أكدت يوم الجمعة أن التصعيد الحالي في قطاع غزة يختبر مرونة الاقتصاد الإسرائيلي ، ومن المتوقع أن تُصدر الوكالة خلال وقت لاحق تقريراً آخر وسط توقعات بخفض تصنيف إسرائيل الائتماني ، الأمر الذي سيزيد كلفة الاقتراض أو إصدار سندات.
خسائر الاقتصاد الفلسطيني
لا شك بأن كلفة الخسائر في الاقتصاد الفلسطيني ستتفاقم، لكن في الاساس هذا الاقتصاد محاصر ويعاني ويعتمد بشكل كبير على المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية ومن دول اخرى ، إذ يعيش المواطنون الفلسطينيون في غزة في ظل ظروف صعبة مع نسبة بطالة تتجاوز الخمسين بالمئة ، وتخطي نسبة الفقر سبعين في المئة ، كما أن ثمانين في المئة من السكان كانوا يعيشون على الإعانات الدولية قبل الحرب . فالصناعة في قطاع غزة تعاني بسبب الحصار الذي دام سبعة عشر عاماً ، ومن نقص المواد الخام ، وتوقف حركة الاستيراد والتصدير جرّاء قيود مشددة من الجانب الإسرائيلي ، لذلك فالتأثيرات عليها لن تكون كبيرة الى حد التأثير مقارنة بالواقع السابق أي قبل المعركة .
أما بالنسبة للضفة الغربية فهي أيضاً تدفع الثمن ، إذ فقد أكثر من 200 ألف شخص يعملون داخل إسرائيل عملهم ، وكان هؤلاء يوفرون 1.5 مليار شيكل شهرياً ما يعادل حوالي 390 مليون دولار لاقتصاد الضفة تساعد في تحريك التجارة الداخلية . وتطور الحرب إلى حرب برية يعني أنهم قد لا يعودون لعملهم لفترة طويلة ، وهذا يضغط على الاقتصاد الفلسطيني . كما أن التجارة الفلسطينية الخارجية تمر عبر الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل ، ما يعقد الأمر، لذا ربما نشهد تراجعاً كبيراً وحاداً في التصدير والاستيراد ، ما يؤدي إلى تضرر موازنة السلطة الفلسطينية بشكل كبير، لأن ثلثي إيراداتها تعتمد على المقاصة مع إسرائيل ، وتقدر قيمة المقاصة بنحو 700 مليون شيكل شهرياً ، وقد يقرر الكيان في اي لحظة وقف هذه المقاصة ،وبالتالي وقف دفع هذه الاموال للسلطة الفلسطينية ما يفاقم أزمتها ،خاصة في ما يتعلق بدفع الرواتب والتي تؤمنها هذه المقاصة .
في النهاية هذه المعركة هي معركة عض أصابع بين الطرفين في الاقتصاد قبل العسكر ، فالفلسطيني تعود على الصبر والصمود ، وبالتالي نفسه في هذه المعركة أطول ، أما بالنسبة للإسرائيلي فمن المعروف أنه غير قادر على الأطالة في الحرب ،ويعتمد بشكل كبير على المعارك القصيرة المدة ،لأنه يعلم جيدا أن أي انهيار كبير في الاقتصاد سيدفع الكثير من المستوطنين الى التفكير في العودة من حيث أتوا ، لكن هل هذا الامر يعفي الدول العربية والاسلامية القادرة من الوقوف الى جانب الفلسطينيين ومدهم بوسائل الصمود ؟
ان استمرار المعركة لأكثر من شهر بالتأكيد سيكون له نتائجه الكارثية على أسرائيل ، وأن استمرار ضرب الصواريخ ولو بشكل متقطع ومقنن على معظم المستوطنات الاسرائيلية سيجعلها أرضا بور ويقضي على كل الآمال التي كانت معلقة على أرض الاحلام والثروة ،وسيفقدهم الثقة بالحكومات والاحزاب الحاكمة وسيكون بداية النهاية لهذا الكيان ، وسيدفع الأسرائيلي الى تسول وقف اطلاق النار لاحقا ، فهل سيصمد الفلسطيني هذه المدة ، وهل سيقدم العرب والدول الاسلامية وسائل الصمود للفلسطيني؟