كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
لم يعد سرا أن ملف الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ،سيكون القضية الساخنة التي ستدور حولها مفاوضات صعبة خلال المرحلة المقبلة،لارتباط هذا الملف بالصراع الدولي على مصادر الطاقة بعد حرب أوكرانيا، والعقوبات التي فرضها الغرب الأميركي – الأوروبي على الاتحاد الروسي.
ولعل الأبرز في هذا المجال، المحور الذي يضم لبنان وسوريا ومصر والكيان الصهيوني.ومن هنا يكتسب الملف اللبناني – الإسرائيلي على هذا الصعيد أهمية بالغة تتجاوز الخلاف على هذه البقعة الصغيرة على الحدود اللبنانية الفلسطينية عند رأس الناقورة.
أمس كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” التي تزور المنطقة “أن الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى إسرائيل للمساعدة في تقليل اعتماده في الطاقة على روسيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا.”
وأبلغت فون دير لاين مؤتمرا صحفيا مشتركا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في القدس “أننا نريد تعزيز تعاوننا في الطاقة مع إسرائيل.”وقالت إن الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة هو “أكبر وأهم زبون لروسيا” في إمدادات الطاقة، لكن الحرب حفًزت التكتل على التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري الروسي بما يشمل تعزيز واردات الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط.
ومن المنتظر أن يوقًع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر مذكرة تفاهم اليوم الأربعاء ستصدر إسرائيل بمقتضاها الغاز الطبيعي في خط أنابيب إلى مصر، حيث سيجري تحويله إلى غاز طبيعي مسال ثم إرساله إلى دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وقالت المسؤولة الأوروبية: “بالنسبة لنا هذا مهم جدا، وأنا ممتنة جدا أننا الآن نناقش هذا المشروع الرائع ،وأننا مستعدون لزيادة تسليمات الغاز الى الاتحاد الأوروبي عبر مصر.”
وقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار في بيان إنها في طريقها إلى القاهرة للإعداد لتوقيع الاتفاق الثلاثي بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ومصر.
ورحب بينيت بما سماه مسارا “قويا وإيجابيا جدا” في العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، مضيفا أن هناك “قفزة في التجارة والابتكار والتعاون الاقتصادي.”
وفي اجتماع منفصل مع بينيت أمس قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي إن بلاده تتطلع أيضا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي بالعمل مع إسرائيل واستغلال “موارد الغاز لشرق البحر المتوسط”.
معركة الغاز
هذه التصريحات الواضحة تبرز مدى خطورة ودقة الوضع مستقبلا في منطقة الشرق الأوسط،مثلما تظهر مدى استعجال الكيان الصهيوني لإنتاج الغاز الطبيعي من الحقول البحرية الفلسطينية ،وبينها حقل “كاريش” الذي يقدر مخزونه بنحو 2 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وعليه تكتسي الجولة الحالية التي يقوم بها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين بين لبنان و”إسرائيل” أهمية بالغة ، ليس فقط من منظار تنظيم الخلاف اللبناني- الإسرائيلي على الحدود البحرية ،بل من حيث إرتباطها بالصراع الدولي على مصادر الطاقة.
ومن هنا يتبين كم أن الموقف اللبناني في هذا المجال سيكون دقيقا وحساسا للغاية .فمن جهة على لبنان ألا يفرط بحقوقه المشروعة في ثروته النفطية والغازية ،ومن جهة ثانية عليه ألا يتجاهل الصراع السالف الذكر،في وقت يبدو فيه البلد أحوج ما يكون إلى ثروته الطبيعية للخروج من حالة الإنهيار التي يعاني منها.
لقد حاول الأميركيون والأوروبيون بعد حرب أوكرانيا، التفتيش عن مصادر بديلة للغاز الروسي،فطرقوا أبواب إيران بإغراءات مجزية بينها رفع العقوبات ،لكن الجمهورية الإسلامية رفضت هذه الإغراءات حرصا على علاقاتها المتينة مع روسيا.ذهب الغرب إلى قطر،لكن هذه الأخيرة لديها إلتزامات على مدى سنتين مع العديد من الدول ولا تستطيع إلا الوفاء بها ،فضلا عن صعوبة عمليات نقل الغاز من الخليج العربي لعدم توفر أنابيب جاهزة لهذا الغرض.عندها لجأ الأوروبيون إلى إسرائيل.
يتضح أمام كل ما تقدم أن الملف البحري بين لبنان والكيان الصهيوني ،واقع بين بلد منهك إقتصاديا واجتماعيا ،وبين دولة مستعجلة جدا لاستخراج الغاز،وسط الصراع الدولي الذي يعني روسيا بالدرجة الأولى. وعليه تبدو المنطقة أمام أحد خيارين:إما الإسراع في إنجاز هذا الملف بهدوء حذر ،أو الدخول في حرب إقليمية بامتدادات دولية لا تُبقي ولا تذر.