معايدة الميلاد
حيّان سليم حيدر
وقد بلغت سنّ التقاعد، 64 عامًا، ولم تتقاعد ولن …، ويزداد العالم، ولبنان معه، ظلمًا وعنفًا وتعصّبًا واحترابًا وانتفاضًا، ، فتزداد معه الحاجة الى التأمّل بعمق مراميها:
إليكم قصيدة "المغارة"، المنحوتة في الصغر، الأبدية العِبَر، للشاعر سليم حيدر.
_____________________________________________________________
المغــارة…
إلى إبني حيّان (12 سنة) الذي يقضي – كل عام ومنذ أعوام – الأيام الستة الأخيرة من كانون الأول منهمكًا بمغارة الميلاد، يشيدها بيديه الصغيرتين من الورق والدبابيس والأخشاب والأشخاص، مُشِعَّة بالكهرباء. ثم يخرب ما بنى ليشيده من جديد، في زاوية أخرى من زوايا غرفته، على طراز أجمل في نظره، وأكثر إتقانًا. فكلما استقامت فكرته، هرع إليّ، وإلى أمه، مغتبطًا بما فعل.
•
يا ابني، مغارتك الصغيرة حلوة، سَلِمَتْ يداكْ
فيها الحبيب الطفل وضّاء الملامح كالملاك
قلنا به عيسى النبيُّ ابن البتول، ابن السماءْ
قالوا به أُقنوم ذات الله يأتي للفداءْ
أَنعِمْ بما قالوا وقلنا، إنه عيسى المسيحْ
غَوْثُ المشرَّد، لُقمةُ الجَوعان، عُكَّاز الكسيحْ !
•
يا ابني، مغارتك الصغيرة لا حدود لها تُحَدُّ
تَسَعُ العوالم والزمان وما أُعِدَّ وما يُعَدُّ
مهد المحبة والتواضع والتسامح والإخاءِ
قبسٌ على ظلمات أنفسنا يُطِلُّ من السماءِ
ليت الذين تفاخروا في كل عامٍ بالمغارهْ
يتيمَّمون ترابها حبًا… فتنطفئ الشرارهْ !
•
يا ابني، فديتك مسلمًا يحيي مغارة بيت لحمِ
بمهارةٍ وطهارةٍ وبساطةٍ، من دون فهمِ
يحيي ويمتشق الهنيهةَ في الزمان الحالكِ
نورًا … ويمتشق الحسام غدًا بوجه الفاتكِ
عبدوا المسيح وسلَّموا بيت المسيح لصالبيهِ
وتحالفوا – يا ويحهم! – يحمون ساحة سالبيهِ !
•
يا ابني، كفى عبثًا بدُمْيَتِكَ الكريمة، أن تضاما
تبني وتهدم ناقلًا، والطفل أوشك أن يناما
هي فكرة، ليست بناءً يُبتغى فيه الكمالُ
هي فكرة شفافة من خلفها يقع الجمالُ
هي غار عيسى، غارُ أَحمدَ، ظلمةٌ… ضوءُ السِّماكْ
يكفي ! مغارتك الصغيرة حلوةٌ، سلِمَتْ يداك !
الميلاد 1956 سلـيـم حيـدر
ديوان "أشواق" (2016)
_____________________________________________________________
كلّ عام وأنتم ولبناننا بأمان.
لبنان، في 24 كانون الأول 2019م. حيّان سليم حيدر.