معالجة مواد المنشآت بين جدية المخاطر وسوء الاستغلال
غسان بيضون
لفتني ذلك التفاوت في توصيف المواد القديمة المكتشفة مؤخراً في مواقع ومخازن منشآت النفط في طرابلس والزهراني وإمكانية معالجتها، فعدت إلى المقصود في تعميم رئاسة الحكومة، وما ورد بشأنها في كتاب المديرية العامة للنفط والشركة المقترحة للتخلص منها، وإلى رأي الهيئة الرسمية المختصة بالطاقة الذرية التي طلبت تخزين المواد المشعّة بطريقة علمية. وبالنتيجة تساءلت عن جدية خطورة المواد الكيماوية والـ 400 غرام “يورانيوم منضب” العالية الجودة وتستخدم في الأبحاث فلا تعتبر من النفايات، وهي غير قابلة للانفجار. وقد مرّ على وجودها 60 عاماً دون أضرار.
بنتيجة المقارنة يتبيّن أن تعميم رئاسة الحكومة اقتصر على طلب إجراء الكشف على المستودعات وأمكنة تخزين أي مواد كيميائية لدى الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات يمكن أن تكون سريعة الاشتعال متفجرة سامة أو خطرة. أما المديرية العامة للنفط فلم تميًز في كتابها إلى وزير الطاقة بين المواد الكيميائية والنووية، حيث رأت أن درجة خطورتها تتراوح بين المتوسطة والشديدة، وذكرت أنها أرسلت إلى الشركة التي ترفع المواد الخطرة من مرفأ بيروت عرضاً لنقل هذه المواد إلى خارج الأراضي اللبنانية، بعد توضيبها، وفقاً لمعاهدة بازل بشأن النفايات الخطرة. واعتبرت أنها قديمة وغير صالحة للاستعمال وتشكل خطورة على سلامة الأفراد العاملين في منشآت النفط وعلى سلامة المرفق العام وعلى السلامة العامة، فيما اعتبرت الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية في التوضيح الصادر عنها أنها مواد نووية عالية النقاوة وأنها غير خطرة وغير قابلة للانفجار أو الاشتعال وهناك أصول علمية لحفظها والتعاطي معها، لتنفي، ضمناً، شمولها بتعميم رئيس الحكومة.
مع التأكيد على أهمية الحرص على السلامة العامة وأولويتها وضرورة تقديمها على أي اعتبار آخر، وضرورة تدارك التقصير والإهمال الحاصل فعلاً في إدارة المواد المكتشفة في منشآت النفط وغيرها؛ لا بد من أخذ هذا التفاوت في التوصيف بعين الاعتبار، ومعه عدم توفر أية معلومات أو تقارير أو سجلّات تؤكد تاريخ وشرعية وجود المواد “النووية” في منشآت الزهراني، لا بد من التساؤل عن إمكانية استغلال مهابة وخطورة المسؤوليات التي ترتبت عن انفجار مرفأ بيروت لإلهاء الرأي العام عن المتسببين بمعاناته وتقصيرهم في معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية المتشعبة، أو لتمرير تلزيم بالتراضي للتخلص من هذه المواد بتكلفة تتجاوز الـ 6.3 مليون دولار لترحيلها مع كمية كبيرة من التراب الملوث بسبب اهتراء المستوعبات، دون النظر بإمكانية إجراء المعالجة في المواقع المتضررة بطريقة مختلفة تضمن السلامة وإنما بتكلفة أقل؟!
ويبقى السؤال عن أوجه التقصير والإهمال الوظيفي المزمن والمتفشي على كامل مساحة الوطن والدولة، بمختلف أجهزتها والمرافق والإدارة العامة، التي تشكل “ثغرة” هائلة في الأداء بحجم ذلك الثقب الأسود، وتوازي بأضرارها المادية والمالية والمعنوية النتائج الكارثية لانفجار مرفأ بيروت وقبله إفلاس الخزينة ؟!
*مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه