الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي يقول:
أقوال تتصل بالمشهد اللبناني. ميشال شيحا “لبنان خلاف متفق عليه” (أم اتفاق مختلف عليه؟). أو غسطين مالرو “الوطن شراكة أحلام” (عندنا شراكة طوائف وشراكة مافيات). واصا باشا “ثلاثة اخطار تهدد لبنان، الطائفية، والماعز، والسياسة لأنها تأكل الأخضر واليابس”(هذا قبل ظهور الماعز البشري). ادمون رباط “القانون والدستور والميثاق التزامات وطنية بحسب المبدأ الروماني Pacta sunt servanda ” (المقتضيات الوطنية في بلادنا فقاعات لغوية).
ننتقل الى شارل ديغول أمام طلاب الجامعة اليسوعية في 3 تموز 1931، “ينبغي عليكم بناء دولة” Il vous faut construire un etat (ما فعلناه أننا بنينا مغارة وأوكلنا حمايتها الى علي بابا وصحبه”. ميشال ادة “السياسة اما كهنوت ناسك أو نصب واحتيال” (في أدبياتنا طبق كافيار وكأس شامبانيا والعشاء مع الشيطان).
ثم المطران جورج خضر الذي اختزل المشهد بمنتهى الدقة. اذ رأى أن لبنان “واقع ركام لا واقع جماعة”، أي قصاصات بشرية قام القناصل بتركيبها، قال “لبنان حالة لم يكتب لها أن تحدث، ولم يكتب لها أن تعيش” (ما حدث في فرساي ولادة من الخاصرة. وما حدث في الطائف تكريس معادلة قايين وهابيل ما دمنا قد أدرنا ظهورنا للمادة 95 من الدستور التي تضع حداً للطائفية السياسية كوباء قاتل).
كنت قد أجريت حديثاً مع العميد ريمون ادة. قال “قبل حرب 1967، كان لبنان رهين ذلك التوازن (النظري أو الافتراضي) بين سورية، كممثلة للعرب، واسرائيل، كممثلة للغرب. في تلك الحرب سقط التوازن، ليغدو لبنان عالقاً في الهواء، وسيبقى كذلك ريثما يقفل ملف الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي”.
من هنا كانت البداية التي عرفت أكثر حلقاتها كارثية ـ وفضائحية ـ بتوقيع اتفاق القاهرة، عام 1969، ليتوالى مسلسل الأزمات، ومسلسل الكوارث ـ والفضائح ـ في لبنان الذي كان عليه، بفعل لعبة الأشقاء ولعبة الأعداء على السواء، أن يتحمل وحيداً الأعباء الهائلة لذلك الصراع، وحتى بعد توقيع اتفاق أوسلو الذي عرّى القيادة الفلسطينية حتى من عظامها.
النتيجة أن مصر وقعت اتفاقية كمب ديفيد، والأردن وقع اتفاق وادي عربة. اتفاق فض الاشتباك كرّس نوعاً من الستاتيكو بين “اسرائيل” وسورية التي ما لبثت أن دخلت في حروب أبوكاليبتية، مبرمجة خارجياً، أدت الى انهاكها عسكرياً، واقتصادياً، والى حد تبعثر الخارطة السورية على ذلك النحو التراجيدي.
لبنان وحيداً في الصراع الذي من أجله سقطت البلاد في حرب أهلية. ومن أجله دخلت الدبابات الاسرائيلية الى بيروت، ليتحول الصراع من صراع عربي ـ اسرائيلي الى صراع لبناني ـ اسرائيلي. هناك هدنة رودس عام 1949، التي لا تعني نهاية الحرب، وهناك قرار مجلس الأمن رقم 1701، عام 2006، الذي لم يطبق الاسرائيليون البند الرئيسي فيه، اي تفاق وقف النار، لتبقى الاحتمالات تتأرجح على جانبي الخط الأزرق.
على نحو درامي، لبنان يعيش كل تداعيات ما تبقى من ذلك الصراع. الدولة ساقطة سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً لو لم تتلقف المقاومة اللحظة لإرساء معادلة توازن الرعب التي لا تعني أن لبنان دخل في السلام الأبدي إذا مأ أخذنا بالاعتبار أي رؤوس مجنونة تحكم “اسرائيل”.
كم يبدو ساذجاً الحديث عن “استراتيجية دفاعية” للدولة. ما من جيش عربي كلاسيكي يستطيع، ولو لساعات، مواجهة “اسرائيل” كوديعة أميركية في المنطقة؟ ذلك هو وضع الجيش اللبناني، وهو الوضع الأكثر مأسوية ليس فقط بسبب الضائقة المالية، وانعكاساتها المعنوية، وانما أيضاً بسبب الانعكاسات البنيوية للتصدعات الطائفية والتي تشرّع الأبواب أمام التدخلات الخارجية على أنواعها.
أي حديث، في ظل التأجيج المنهجي للطائفية (والطوائفية)، حول الاستراتيجية الدفاعية، أو حول الدولة القادرة حديث سريالي. لبنان ممنوع أن يكون كذلك. لا امكانات، ولو بالحد الأدنى، للدفاع في مواجهة أي اعتداء الا إذا حدثت الأعجوبة وزود الأميركيون الجيش بمنظومات للدفاع الجوي، لا بأعتدة تعود الى عقود مضت.
الدوامة شغالة الى ما شاء الله، كذلك معادلة قايين وهابيل كفلسفة لرجال دولة لا علاقة لهم لا بالدولة ولا بالبنية الفلسفية للدولة…