
كتب علي يوسف – الحوارنيوز

قد لا اكون مبالغا اذا قلت ان السياسة الترامبية في حال عدم اغتيال ترامب، سترسم في طريقها نحو تصحيح النظام الرأسمالي نظرة فلسفية جديدة لمفاهيم الدول والانظمة والمجتمعات والتكوينات والعلاقات السياسية والاقتصادية وانظمتها …
وقد لا اكون ابالغ اذا قلت ان ترامب يطلق فلسفة القرن التي سترتسم نظريا انطلاقا من سياسات الميدان وليس العكس ما يجعل من الصعب فهم اسباب السياسات “الجراحية” التي تأخذ طابعا اجراميا ،وتبدو احيانا متناقضة بما يجعل الكثيرون يتهمونها بالجنون لعجزهم عن فهمها ولكونها لا تأتي تنفيذا لرؤى معلنة ولنظريات واضحة ….
توضيح هذا الكلام يحتاج الى كثير من التفسير والعرض، ولا يمكن اختصاره بمقال..ولكن بات من الواجب وضع بعض الاشارات او كما يقال بعض “الفلاشات” المستقاة خصوصا من التطورات والمواقف المعلنة.
ابرز هذه “الفلاشات ” :
١- الغاء مفهوم الهيمنة لصالح الضم وتوحيد القدرات والقوة والتعاون في نظام عالمي جديد ..
٢- لا مكان للدول الضعيفة التي تعيش على المساعدات ويجب ضمها الى المكون القوي في اقليمها القادر على ان يكون قوة قائمة بمقدراتها وليس بمساعدات الغير …
٣- لم يعد مقبولا تخصيص اجزاء من مقدرات الدول القوية لدعم الدول الضعيفة التي تشكل عبئا لا مبرر لوجوده وغير قادر على استثمار امكاناته لتحقيق الازدهار الدولي …
٤- اعطاء اقصى الفرص والامكانات للمكونات القوية لضم المكونات الضعيفة في اقاليمها لبناء عالم جديد لا مكان فيه للضعفاء “والمتسولين ” لا اقتصاديا ولا حماية …
٥- تحويل التنافس بين الاقاليم القوية الى تعاون ،ما يعني تحويل العلاقات مع الصين او مع الاتحاد الروسي القابلين للتوسع قاريا والمرحب بتوسعهما الى علاقات تعاون بدل علاقات المنافسة ..
٦- اعطاء فرصة محدودة الوقت الى اوروبا لاعادة صياغة نظامها الرأسمالي في اتجاه تحويلها الى قارة قوة عظمى مستقلة عن مساعدة اميركا، تدخل في فلك القوى المتعاونة او يجري لاحقا تقاسمها ..
٧- اقدام اميركا على ضم كندا وغرين لاند وصولا الى الغاء تقسيم القارة الاميركية الى شمال وجنوب الخ … وتحويلها الى قطب واحد بالاقناع او بالقوة لتوسيع السوق الاستثماري وزيادة الثروات من ضمن المشروع العالمي الجديد…
٨- تبقى ٣ مشكلات غير واضح سياق معالجتها :
-الاولى تتعلق بالهند، وهي المشكلة الاقل تعقيدا نظرا للامكانات الضخمة للهند والتي يفترض ان ترسم معالم تطورها في العالم الجديد ..
-والثانية تتعلق بافريقيا التي تُعتبر قارة متنافسا عليها بين الدول الأقطاب، ويجب وضع حل لها، اما بفرزها حربا او باتفاقات رضائية ما تزال بعيدة الوضوح والمنال، وقد تحتاج حكما الى حروب متنوعة بطبيعتها واتجاهاتها بحيث يرسم الميدان مستقبلها من ضمن التوجهات العامة لهذه السياسات …
-والثالثة تتعلق بمنطقة الشرق الاوسط حيث تحاول” اسرائيل ” فرض واقع جديد وخرائط جديدة كأمر واقع في نفس الاتجاه الترامبي وبدعم منه في ظل تخلف كبير للدول المسماة عربية، والتي بمجملها تحتاج الى المساعدات والدعم الاقتصادي حيث لا يوجد ثروات نفطية، والى الدعم الحمائي حيث الثروات النفطية ..!!
ولعل المشكلة المستعصية في تحول المنطقة الى قطب قوي يتشارك في صنعه تركيا وايران و”اسرائيل ” هو الالتزام الايديولوجي الديني لإيران بالقضية الفلسطينية الذي يجعل من المستحيل التعاون الصهيوني- الايراني …
وليس من اذاعة لسرّ انه لو تمكنت اميركا وروسيا من تحقيق توافق ايراني صهيوني، لكنا الآن في اقليم خال من الدول العربية، ليس فقط كأنظمة بل ايضا كدول جغرافية، وكان تم تقاسمها لأقطاب القطب المرغوب اميركيا ولا يلاقي معارضة روسية ، نظرا لكون الدول العربية تعيش للاسف حالة من التخلف والتبعية في مجال مستقبل دورها على الصعيد العالمي رغم حجم ثرواتها المتنوعة وهي بعيدة كل البعد عن البحث في هذا الموضوع رغم التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم، والتي لا تزال تقف فيها عند زمن بائد وعند عناوين القضية الانسانية الفلسطينية والمشروع التوسعي للكيان الصهيوني ، وكأنه مشروع صهيوني خاص، ناهيك عن الانشغال بالخصوصيات التوجسيّة السخيفة والهزلية بين الدول العربية واختراع العدو الايراني استجابة للعجز والتبعية اللذين يفرضان التخفيف التدريجي للعداء مع الكيان الصهيوني في اتجاه الوصول الى اعلان الطاعة لمشروع التطبيع الغربي الذي مايزالون واقفين عنده، في حين اننا بتنا في مرحلة مشروع صياغة قطب جديد تحت عنوان شرق اوسط جديد بخرائط جديدة يعلن الصهاينة والاميركيون عن التوجه نحوه كل يوم في ظل “طرش عربي” وموت فكري .
٩-ان مشروعا من هذا النوع يلغي حكما كل المؤسسات الدولية التي تم انشاؤها لحاجات عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، لأن بناء الاقطاب الجديدة سيكون جراحيا وعلى طريقة التخلص من الجوع بقتل الجياع. وفي مثل هذه الحالة تشكل المؤسسات الدولية “ومبادئها” ومعاييرها عنصر ازعاج، كما ان الوصول الى الاقطاب القوية المتعاونة يلغي الحاجة الى هذه المؤسسات ويفرض نمطا جديدا من المؤسسات يمكن وضع صيغه في حينه …
١٠- ان مسار هذا المشروع بغض النظر عن امكان نجاحه او فشله يشكل حربا عالمية ثالثة تفرض واقعا جديدا في العالم ستكون الاشهر القريبة الآتية زمنا للسير بها ، وستحمل الكثير من السخونة والتدمير والاجرام والضغوطات ..!!!
والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه :
اذا كانت هذه هي الترامبية فأين موقف روسيا والصين واوروبا منها؟
يمكن القول ان الاتصالات بين ترامب وبوتين وعبر بوتين مع الصين تؤشر الى عدم ممانعة روسية وصينية لمثل هذا المشروع ، إلا أن ما يجب الالتفات اليه ان السير به سيسير خطوة خطوة وبمراقبة حثيثة، وخصوصا من الصين وروسيا لاحتمالات الافخاخ الترامبية ،ولاحتمالات اغتيال ترامب لأكثر من سبب، وبحيث يتم تقييم الخطوات بما لا يؤدي الى خسارة المكتسبات التي حققها الروس والصينيون خلال الفترة الماضية، والا تكون محاولات تصحيح النظام الرأسمالي الليبرالي الاميركي المعرض للانهيار على حسابهما …
اما اوروبا فيبدو انها بدأت بفهم الدرس الاميركي وبدأ الحديث عن اعادة صياغة اوروبا خارج الحاجة لأميركا اقتصاديا وحماية بما يشير الى السير في المشروع …
تبقى المشكلات الكبيرة التي اشرت اليها بحاجة الى صياغات جراحية يحاول ترامب قيادتها، وسيكون سعيدا لمشاركة روسية وصينية معه في حال تعزز الثقة المتبادلة التي يسعى اليها وكعادته بالاقناع تحت التهديد.
ولكن بكل الحوال ان هذه المشكلات معقدة الى حد كبير بحيث ان التطورات الميدانية قد تخلق واقعا خارج الرغبة الأميركية- الصهيونية، إلا ان التعاطي البراغماتي الاميركي المعروف يجعل من الممكن توقع تحول هذه الرغبات في اتجاهات أخرى.



