طلال الامام /السويد -الحوارنيوز
المشهد الاول:
يحذر بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا من ان " العديد من العائلات ستفقد أحبابها بسبب وباء الكورونا " ومبشرا بنظرية "مناعة القطيع "المشؤومة .
المشهد الثاني:
امرأة تصرخ ، تستغيث من ايطاليا لان المشفى اخبرها انه سيتم نزع جهاز التنفس عن زوجها المسن المصاب بالكورونا لإعطائه لاخر شاب …ولوجود نقص في تلك الأجهزة .
المشهد الثالث:
طبيب من فرنسا ينتحب وهو يصرخ ان المصابين يموتون بين يديه ولايمكنه مساعدتهم بسبب نقص الأجهزة
المشهد الرابع :
تسجيل من اسبانيا يقول صاحبه انه تلقى العديد من المكالمات تفيد انه يتم سحب اجهزة التنفس الصناعي ممن تجاوزت أعمارهم ال 65 عامًا ، وانه يتم تخديرهم الى ان يموتوا بأنفسهم ..
المشهد الخامس:
حتى في السويد بدا الترويج في بعض المؤسسات السياسية والصحية ووسائل الاعلام لنظرية "مناعة القطيع" ولكن على "الهيسي " ربما بهدف تهيئة الرأي العام كي يطبقوه.
وتتوالى المشاهد من الدول الاوربية الاخرى بالمعنى ذاته : نقص في الأجهزة ، نقص في عدد الاسرة في المستشفيات والكادر الطبي… وبيت القصيد تفضيل من هم اقل من سبعين عاما لدي تقديم الرعاية المطلوبة للمصابين بوباء الكورونا.
المتابع لمختلف وسائل الاعلام الاوروبية يلمس وبوضوح ترويج لنظرية "مناعة القطيع" التي تأتي باشكال وصيغ مختلفة، لكن محتواها واحد: لانريد تقديم مساعدات طبية للمسنين، ليس لدى قطاعنا الصحي الامكانات الطبية الكافية …..وفي الوقت ذاته يهيئون المجتمع للقبول بفكرة "الخلاص " من المسنين الذين "يرهقون "ميزانيتنا بسبب حاجاتهم للرعاية الصحية ،متناسين ان هؤلاء المسنين هم من بنوا الاوطان ومن دافعي الضرائب، لذلك يستحقون رعاية طبية واجتماعية كاملة. لكن ما العمل مع نظام سياسي اقتصادي يقوده رجال اعمال وشركات همها الربح حتى ولو على حساب مواطنيها وعلى حساب تدمير البيئة واشعال الحروب والنزاعات لتصريف منتجات مصانع الأسلحة.
ولكن لماذا ظهرت نظرية "مناعة القطيع"والتضحية بالمسنين الان بالذات؟
يبدو للوهلة الاولى انه بسبب ظهور ڤيروس الكورونا، وقد يكون هذا السبب المباشر . لكن الاسباب الحقيقية تكمن في سياسات الليبرالية الجديدة التى رفعت راسها بقوة بعد إنهيار المنظومة الاشتراكية وسيطرة نزعات و سياسات الخصخصة، الامر الذي الحق ضررًا بالغًا في منظومة الرعاية الصحية والاجتماعية في البلدان الاوروبية التي سارت على هذا النهج. والآن حان وقت الحساب وجني النتائج. هذا كله انعكس في ضعف المنظومة الصحية في مواجهة الكورونا والارتباك الواضح الذي وقعت فيه تلك البلدان.
من جهة لا يريد راس المال ان يدفع من جيبه لمواجهة هذا الوباء لانه قطاع غير مربح.ومن جهة اخرى بدأ يبحث عن كبش الفداء ووجده في الطرف الأضعف في المجتمع ً،اي المسنين الذين يشكلون نسبة كبيرة وتكلف رعايتهم الصحية والاجتماعية ميزانية الدول مبالغ طائلة .لذلك وجد ان أفضل طريقة هي التخلص منهم بطريقة "حضارية"….وجاءت جائحة الكورونا، بغض النظر عمن يقف وراءها او اسبابها لتقدم له الحل … لذلك بدأ الترويج لنظرية التضحية بالمسنين لصالح الشباب ( قوة العمل) واستند على ضعف دور الدولة الرعائي للتهرب من المطالبة ان تقوم الدولة بوضع يدها على قطاع الصحة وتخليصه من "قطاع الطرق".
ان القاء نظرة سريعة على التركيبة السكانية في أوربا يشير بوضوح الى ارتفاع نسبة المسنين ،ما يعني ذلك من ضرورة تامين الرعاية الصحية لهم.
ترتفع اعداد المسنين في بلدان الاتحاد الاوربي بشكل متزايد، في ظاهرة تعزى خصوصا إلى ارتفاع أمد الحياة المتوقع، وقد أظهرت إحصاءات نشرها المكتب الأوروبي للإحصاء الى إرتفاع نسبة من هم فوق سن الثمانين عاما في أوروبا من 4 % في العام 2005 إلى 5,3 % في العام 2015، أي شخص واحد من كل عشرين شخصا .في ايطاليا يشكل من هم فوق سن الثمانين 6,5 % من السكان، واليونان (6,3 %)، أما النسب الأدنى في أوروبا فتسجل في إيرلندا وسلوفاكيا (3,1 %). اما من هم 65 عاما وأكبر في إيطاليا نسبة 23 في المئة من السكان.
أخيرا !
لقد عرت جائحة الكورونا نظام الليبرالية الجديدة الامبريالي الذي لم يعد بامكانه تجديد نفسه، ووصل لطريق مسدود وسينجم عنه نظام عالمي جديد نأمل ان يكون اكثر عدالة . كما تبين ان النظام القائم على الربح فقط مستعد للتضحية حتى بابنائه(المسنين والمرضى بأمراض مزمنة من جميع الاعمار ) وبالبيئة تحت أشكال مختلفة احدها الترويج لنظرية "مناعة القطيع".