سياسةصحفمحليات لبنانية

مشاركة كرم في “الميكانيزم” شرّ لا بد منه أو قفزة في المجهول؟ (إبراهيم ناصر الدين)

حزب الله لا يمانع التفاوض غير المباشر..."لكن ليس بدون ثمن"!

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب إبراهيم ناصر الدين في الديار يقول:

يطمح المسؤولون اللبنانيون بأن تكون خطوة رفع مستوى التمثيل في “لجنة الميكانيزم”، مقدمة لاحداث انقلاب في المشهد القاتم الذي يلف المشهد اللبناني، لكن هذا الطموح يصطدم بالكثير من العقبات في غياب “خارطة طريق” واضحة، يمكن التعويل عليها لفهم طبيعة المرحلة المقبلة على المديين القريب والمتوسط. لهذا يمكن القول اننا دخلنا في مرحلة اختبار جدي للنيات، تقول اوساط سياسية بارزة، لكن لا يجب الافراط في التفاؤل قبل ان تنقشع الصورة وتصبح أكثر وضوحا.

فموافقة لبنان على مشاركة مدنية في لجنة “الميكانيزم” لم تكن مفاجئة، بل كانت المشاركة متوقعة، اما تأخر الخطوة فكان بسبب الممانعة الاسرائيلية، وعدم وجود ضغط اميركي جدي لفرض تغيير في شكلها ودورها. ولهذا بعدما سقطت الموانع، وجاء الجواب من الولايات المتحدة الاميركية بالموافقة، تم اختيار السفير اللبناني السابق في واشنطن سيمون كرم، بعدما جرى رفض اكثر من اسم طرح على الاميركيين، وكانوا يضعون حولها ملاحظات افضت الى رفضها. وفيما رفضت شخصيتان حقوقيتان تولي هذه المهمة، جرى التفاهم على كرم الذي لم يلق قبولا عند الرئيس نبيه بري، الذي يسجل عليه الكثير من الملاحظات، ولم يرغب بان تتكرر تجربة الوزير يوسف رجي في وزارة الخارجية في لجنة “الميكانيزم”، في ظل المواقف “المتطرفة” المعروفة عند كرم، الا انه لم يضع “فيتو” عليه، ولم يكن حادا في رفضه.

 

 

ووفق تلك المصادر، تعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية على الصعيد الديبلوماسي، في ظل التهويل بحرب جديدة، لكن لا يمكن الجزم بانتهاء المخاطر، لان العدو الاسرائيلي لا يمكن ان يؤمن جانبه، وقد يتخذ من هذه الخطوة غطاء لعمل عسكري ما، ولهذا يمكن القول اننا دخلنا في فترة اختبار للنيات، دون ان تكون هناك “خارطة طريق” واضحة حول الملفات التي ستوضع على “الطاولة” للتفاوض، لكن في المحصلة لم يكن للبنان الرسمي اي خيار سوى القبول بهذه الخطوة، دون وجود اي ضمانة حول النتائج، وكان لا بد من خطوة عملية لمحاولة كسر المراوحة المكلفة والقاتلة التي يدفع ثمنها لبنان يوميا.

واذا كانت هذه الخطوة تمنح الامل في احتمال حصول خرق ديبلوماسي يمنع شبح الحرب، الا ان الحذر لا يزال مطلوبا، لان مصالح الاطراف الثلاثة في لجنة “الميكانيزم” ليست متطابقة، ولكل طرف اولوية يريد الوصول اليها، فاذا كان لبنان يطمح للوصول الى اتفاق يضع مندرجات اتفاق وقف الاعمال العدائية موضع التنفيذ، كمقدمة للعودة الى اتفاق الهدنة وترسيم الحدود، دون الذهاب الى تفاوض سياسي ينتهي باتفاق سلام، فان واشنطن تطمح الى ضم لبنان الى الاتفاقات “الابراهيمية”، وتأمل ان تكون هذه الخطوة مقدمة لفتح باب التفاوض السياسي حول اتفاق، ينهي حال العداء بين البلدين تحت عنوان السلام الدائم. اما “اسرائيل” فلا تبدو معنية بالتوصل الى اتفاق سياسي يجبرها على التنازل، عما تعتبره مكتسبات حققتها في الحرب الاخيرة، وتطمح الى فرض اتفاق أمنى يمنحها امتيازات، ليس اقلها اقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح، وفرض شروط قد تكون “تعجيزية”.

وفي هذا السياق، لا تخفي اوساط مطلعة وجود تحفظ لدى حزب الله عن حصول هذه الخطوة دون الحصول على “ثمن”، اقله وقف الاعمال العدائية، لكنه في الاصل ليس ضد التفاوض غير المباشر، الذي سبق وحصل ابان الترسيم البحري، لكن القلق مشروع لان الوفد اللبناني لا يملك بين يديه ما يمكن التفاوض عليه، وجاء رفع مستوى التمثيل دون مقابل، وليس ما يضمن تفكيك “صاعق” التفجير. وتبقى الاسئلة : هل يقبل الاميركيون و “الاسرائيليون” التزام المهام المناطة بلجنة “الميكانيزم”؟ هل النقاش سيدور حول كيفية الزام “اسرائيل” بوقف الاعمال العدائية والانسحاب من الاراضي المحتلة؟ وماذا لو حاولت “اسرائيل” رفع مستوى الضغط “بالنار”، لفرض اجندتها داخل اللجنة؟ وعدم تنفيذ بنود الاتفاق؟ هل سيسحب لبنان عندئذ تمثيله المدني؟ وهل يملك ادوات ضغط اصلا؟

 

في الخلاصة، رفع مستوى التمثيل خطوة متقدمة، تعكس وجود حراك ديبلوماسي لمحاولة كسر الجمود الحالي، ولا بد من الانتظار لمعرفة المدى الذي يمكن ان تصل اليه الامور. لكن ثمة الكثير من المخاوف المبررة، لان “الطريق” مزروع “بالغام” كثيرة، قد تنفجر خلال مسار عمل “الميكانيزم”.

لبنان بحاجة الى “شراء الوقت”، علّ الظروف تصبح أفضل لتعزيز موقفه، “اسرائيل” تستعجل قطف ثمار هذه الخطوة، وقد بدأت الحديث عن خطوات ديبلوماسية واقتصادية مع لبنان، ما يشير الى انها تطمح الى ما هو ابعد من اجتماعات لجنة تقنية، وهي ستناور وتستخدم “العصا الغليظة”، لمحاولة فرض اتفاق يلبي مصالحها. اما واشنطن فهي ليست “وسيطا” نزيها، ولا يمكن التعويل عليها لتحصيل حقوق لبنان. انها خطوة سياسية غير مسبوقة منذ العام 1983، تجدها الدولة “شر لا بد منه”، فيما يراها البعض الآخر “قفز في المجهول”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى