الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
لا خنساء الآن لترثينا ولو برشقنا بالحجارة، ما دمنا قد بلغنا ذروة الهلهلة. دونالد ترامب قال “… ان تركيا ذكية، لقد قامت بعملية استيلاء غير ودية من دون خسارة الكثير من الأرواح”، باعتبار أن الرجل ضنين بأرواحنا وبدولنا.
مع اقتناعنا بأن انتقال الرئاسة الى بشار الأسد كان الخطيئة المميتة للأب وللابن. هذه سوريا التي لا تدرك سوى القلة كيف تدار، وكيف تحكم.
ذات مرة التقيت باتريك سيل، صاحب كتاب “صراع على الشرق الأوسط”، في وزارة الاعلام في دمشق. قال لي انه يفكر بوضع كتاب حول “سيكولوجيا السلطة في سوريا”، أوحى لي كما لو أن هذه الدولة لا تحكم الا من رجل يجمع في شخصه بين الحجاج بن يوسف وأبي ذر الغفاري.
هل كان هكذا بشار الأسد، الذي وضع رأسه بين يدي أجهزة الاستخبارات، وحيث التنكيل والاذلال والتشبيح، ناهيك عن لصق الصور على زجاج السيارات، واقامة التماثيل التي اعتراها الصدأ (وهل يصدأ الرخام؟)، دون أي اهتمام بالأمن الاستراتيجي للبلاد لتتحدث “البيئة الحاضنة”، والتي كانت الضحية الأولى لسيادة الرئيس، عن خروجه من القصر كما تخرج الفضيحة. الفضيحة ذات الأجراس.
الآن، احمد الشرع الذي يعاد ترميم شكله (الـ Look )، غداً نراه بربطة عنق “هرمس”، وبتسريحة جان ترافولتا (متى رقصة الروك اند رول ؟). ولكن، ألا يتوجس كثيرون حتى ممن التحقوا بالقافلة، من أن يكون الانتقال من زمن الزنزانات الى زمن الكهوف. انه الاسلامي الذي تقلّب بين كل التنظيمات، ليستقر زعيماً للنيوانكشارية في حضرة النيوعثمانية. لكن الغرب كله معه. دعونا نتوقع الأ يعود السوري (الآدمي) يتسول الخبز والمازوت، وحتى الحد الأدنى من الحياة.
لا تتصوروا أن التشكيل الفسيفسائي للدولة السورية، أقل تعقيداً من التشكيل الفسيفسائي للدولة اللبنانية. لكن الجديد ألاّ انقلابات عسكرية بعد الآن، لأن “اسرائيل” أزالت “الجيش العقائدي”، الذي مهمته حماية النظام القومي وليس أي شيء آخر، لانشاء “الجيش العقائدي” أيضاً من الفصائل المسلحة، والذي مهمته حماية النظام الاسلامي، وان كان البعض يعتقد أنه سيكون على شاكلة الجيش التركي. صلاة الجمعة منتصف النهار، وسهرة المواخير منتصف الليل.
ترامب اعترف بالاحتلال التركي لسوريا. غداً يبيع الأكراد ويبيع السوريين، ما دام فد تلقى تعهداً من أن نجمة داود سترفرف على ضفاف بردى، بعدما أعلن الشرع وقف الصراع (ومتى كان هناك صراع؟) مع “اسرائيل”. كل ما هنالك تقاطعات جيوسياسية عبثية في حضرة الاله الأميركي.
أي سوريا الآن؟ لا يزال الوقت مبكراً ليأخذ المشهد شكله النهائي. وعلى الروس الذي وُجدوا لحماية النظام لا لحماية الدولة، وهم الذي يحلمون بوضع أقدامهم في المياه الدافئة منذ بطرس الأكبر، أن يأخذوا علماً بأن النظام زال. لا مبرر لبقائهم ولا جدوى من بقائهم. حليف ماركة “شاهد ما شافش حاجة”، بتزويدينا بالطائرات وبالدبابات بمواصفات الطنابر…
ازددنا اقتناعاً بأننا من سنوات وسنوات، وربما من قرون، “مسخرة الأمم”. لاحظتم لهجة دونالد ترامب بجناحيه التركي (اردوغان)، و”الاسرائيلي” (نتنياهو). وها أن “هاآرتس” تنقل عن مسؤول عسكري “اسرائيلي” الاستعداد للقيام بعملية كبرى ضد ايران.
المثير هنا، والذي يؤكد أن الصراع لا بد أن ينفجر بين الجناحين حول سوريا، اصدار وزارة الخارجية التركية بياناً (على الطريقة العربية) نددت فيه بـ”خطة اسرائيل مضاعفة عدد سكان مرتفعات الجولان المحتل”، لتضيف “أن هذا القرار، مرحلة جديدة في اطار هدف “اسرائيل” التوسع من خلال الاحتلال”، مع التحذير من أن الخطة “ستؤدي الى تقويض، وبشكل خطير، عملية تحقيق الاستقرار في سوريا المجاورة بعد اطاحة الأسد”.
على من يضحك هذا الرجل؟ على نفسه بالدرجة الأولى، لأنه سيفاجأ بأن مشروعه ـ السلجوقي ـ اقامة “تركيا العظمى” لا بد أن يصطدم بمشروع بنيامين نتنياهو اقامة “اسرائيل العظمى”، ما دام الوعد الالهي باقامة “اسرائيل الكبرى” لم يعد يتواءم مع الواقع الاستراتيجي الذي تشكّل على الأرض. ولكن منذ عام 2011، وتسويق المصطلح الأميركي “الربيع العربي”، متى لم تسقط لعبة اردوغان ليسقط معها. دعونا نعود الى مقررات لوزان (1923 ) والتي وضعت الأسلاك الشائكة حول تركيا.
هل يتصور اردوغان ان اليمين في “اسرائيل”، الذي يقوم على “ايديولوجيا الخوف” وعلى “ايديولوجيا الكراهية”، وبالعقل الذي تتقاطع فيه الثقافة الاسبارطية مع الثقافة التوراتية، يمكن أن يقبل بدور تركي في سوريا لا يكون لمصلحته، وهو الذي يصف السوريين بـ”ذئاب الشمال”، لذا كان التدمير الهائل ان للبنية العسكرية السورية، ودون أن يسمح للسلطة الجديدة بأن تمتلك القوة العسكرية التي تمكنها من حماية حدودها، وربما من حماية شوارعها. كفانا لغة الضفادع وجيوبوليتيكا الضفادع، مثلما نقول للرئيس التركي كفى لغة الثعابين وجيوبوليتيكا الثعابين.
شاركونا وضع أكاليل الزهر على قبر مارك سايكس، وعلى قبر جورج بيكو. وحتى على قبر آرثر بلفور وتيودور هرتزل، ما دمنا قهرمانات القرن. مسخرة القرن…