كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
هل هو من الطبيعي أن تضطرب أحوال تونس والعراق وليبيا ،وسابقا لبنان،بعد أن غزت الديموقراطية هذه البلدان ،وغدت الحريات السياسية موئلا للناس وسنّة من سنن حياتهم؟
لعل الإجابة ب”نعم” أو “لا” على هذا السؤال تحمل الكثير التسرع.فالديموقراطية شريعة سياسية إنسانية راقية ،لكن الخلط بينها وبين الحرية المطلقة، يودي الى ما أودت اليه في البلدان السالفة الذكر،من فوضى واضطراب وفساد ،ينبئ بأن للديموقراطية أصولا ومعطيات وموجبات يفترض أن تتوفرقبل الولوج إليها.لكن التجارب الديموقراطية الوليدة في بلدان العالم أثبتت أن المجتمعات الديموقراطية تصحح نفسها بنفسها ولو بعد حين.وعلى هذا يحدونا الأمل بهذا التصحيح في مراحل لاحقة.
في لبنان كانت هناك دائما نظرية منطقية للرئيس الدكتور سليم الحص تقول:”لدينا كثير من الحرية وقليل من الديموقراطية”.وقد عاش لبنان طويلا على هذه النظرية ،لدرجة أن الحريات في لبنان أغوت الكثير من المجتمعات العربية ،وكنا دائما نحذر زملاءنا العرب من اعتبار النموذج اللبناني مصدرا للإلهام نُحسد عليه بالنسبة للعالم العربي ،خلافا للمباهاة اللبنانية بهذا النموذج الذي أوصلنا الى ما أوصلنا إليه اليوم.
ومن هنا ينبغي الفصل بين الديموقراية والحرية.فالتعريف العملي للأولى هي “حكم الشعب،وهو شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة – إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين-في اقتراح، وتطوير واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكّن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. و من أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع، ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية.”
ونتوقف هنا في تعريف الديموقراطية عند عبارة”الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام”،وهذا يعني أن الحرية في نظام ديموقراطي لا يمكن أن تكون مطلقة، لأنها تقود الى الفوضى والفساد والاضطراب.وهذا ما شهدته وتشهده اليوم البلدان الأربعة السالفة الذكر.
لا يعني ما تقدم أننا نؤثر الأنظمة الديكتاتورية والتوتاليتارية على النظم الديموقراطية ،ولكن عندما تنتشر الفوضى والفساد والاضطراب ،فإنه من الطبيعي أن يؤثر المواطن سلطة مركزية حازمة ،حتى لو كانت ديكتاتورية، على النظم الديموقراطية،وهذا ما نسمعه يوميا من مواطنينا الذين يرزحون تحت غوائل المعاناة في شتى المجالات المعيشية.
ولعله من الطبيعي القول في مثل هذه الأحوال،إن الجوع والديموقراطية لا يأتلفان.فالكفاية هنا شرط أساسي من شروط الديموقراطية الصحيحة والسليمة.وهنا نستحضر قولا للإمام علي بن أبي طالب يقول فيه:”ما ذهب الفقر الى بلد إلا وحلّ الكفر معه”.وعليه لا يمكن أن نحقق مجتمعا ديموقراطيا سليما بمجموعات من الكفرة.ويستوي في الكفر هنا الجائعون والفقراء والفاسدون معا على السواء .فالسارقون والنهّابون ليسوا أقل كفرا من الجوعى.
والعدالة شرط آخر من شروط الديموقراطية.وقد قيل إن “العدل أساس الملك”.وحيث تغيب العدالة يستحيل تحقيق الديموقراية.وفي مجتمع متعدد الطوائف يقوم على توزيع الحصص كلبنان والعراق مثلا،تصعب مقاربة الديموقراطية ،لأن أساس العدالة هو المحاسبة،وقد أثبتت التجارب في لبنان والعراق صعوبة المحاسبة ،حيث تختلط الحمايات الحزبية بالدينية بالمذهبية.وعليه لا بد من تغييرات جذرية في أسس النظام السياسي بحيث تنتصر الكفاية الإنسانية على المحاصصة الطائفية.إلا أنه في بلد كتونس أو ليبيا حيث اللون الطائفي والمذهبي الواحد تسهل عملية المحاسبة وبالتالي العدالة ومن ثم تحقيق الديموقراطية السليمة.
وبالعودة الى تعريف الديموقراطية في ما تقدم ،فإن هذا المنهج يتطلب تطوير الوعي الثقافي بما يعني قبول الآخر أيا كان.ليس بالضرورة الإذعان لرأي الآخر ،لأن حرية الرأي واحدة من أسس الديموقراطية أيضا.وإلى أن تقبل مجتمعاتنا بعضها بعضا ،بعيدأ عن الجنس والطائفة والمذهب والعرق،نكون قد وضعنا اللبنة الأساسية للديموقراطية السليمة.وحتى ذلك الوقت ستبقى الممارسة الديموقراطية هجينة نتحمل مساوئها ومعاناتها الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
زر الذهاب إلى الأعلى