الحوار نيوز – خاص
بحضور رئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسور حسين أبو رضا، نظّم مركز الأبحاث في العلوم الاجتماعية مختبر علم اجتماع العائلة، ندوة علمية قدّم لها وأدارها عضو المختبر الدكتور فداء أبو حيدر، واستهلها متحدّثاً عن المأساة التي أصابت العائلة اللبنانية، وما رافقها من ازمات اقتصادية تمثّلت بارتفاعٍ شديدٍ في سعر صرف الليرة اللبنانية مقارنة بالدولار الاميركي، واجتماعية تمثّلت بجائحة كورونا، وما ولدّته من أزمات نفسية، دفعت بمختبر علم اجتماع العائلة الى طرح هذه الاشكالية التي تتطلّب كيفية إدارة ميزانية الاسرة في زمن التضخم والكابيتال كونترول، وكيفية التكّيف مع المآسي المرافقة لهما.
البروفسور حسين أبو رضا
تناول رئيس مركز الأبحاث “إدارة ميزانية الأسرة في زمن التضخم والكابيتال كونترول، بوصفها مقاربة ضرورية وراهنة، على ضوء ما توّلده حالياً ومستقبلاً من ظواهر اجتماعية غير صحيّة، وعلى ضوء عدم وضوح الرؤية في الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة”. وأضاف “من خلال ما تقدّم، يتطلّب من الباحث تفكيك هذه المقاربة إلى قضايا فرعية من خلال متغيّراتها الخاّصة وبالطبع من خلال مناهج العلوم الاجتماعية”. واعتبر بروفسور أبو رضا “أنّ الأزمة الاقتصادية الخانقة معطوفة على جائحة كورونا، قد ألقت على الأسر والعائلات اللبنانية ظروفًا قاسية وصعبة تتطلّب من العائلة أن تتكيّف معها وتحتويها”. كما لفت رئيس مركز الأبحاث إلى أهمية هذا الموضوع وتداعياته، مشيرًا إلى ضرورة الأخذ “بعين الاعتبار السلوكيات المختلفة والأبعاد المتعدّدة للتخفيف من أثر هذه الأزمة وضبط مسارها. علماً بأنه هناك مؤشرًا على ارتفاع ظاهرة الفقر خلال سنة حالياً، ثلاثة أضعاف للأسر اللبنانية نتيجة هذه الأزمة كما دلّت الدراسات الأخيرة”.
الدكتورة لبنى عطوي
أشارت منسّقة مختبر علم اجتماع العائلة أنّ “اختيارنا لموضوع الندوة، قد جاء وسط فيض متدفّق من الأزمات المستجدّة التي يشهدها لبنان في هذا الزمن العصيب”، مبيّنة أنّ “هذه الأزمات التي بدأت مع أحداث ثورة تشرين العام الماضي، والتي اندلعت كرد فعل على فشل الحكومة في تلبية احتياجات المواطنين، وتفاقمت مع الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى التضخّم وتدهور قيمة الرواتب وانخفاض القوة الشرائية، ناهيك عن تسريح عدد كبير من العمال والموظفين في مختلف الشركات والمؤسسات”. واعتبرت دكتورة عطوي أنّه “لا يخفى على أحد، أن الإجراءات المصرفية الصارمة التي اتخذت بحق المودعين، والمتمثّلة في احتجاز الودائع، وفرض القيود الصارمة على عمليات السحب، أو ما يعرف بالكابيتال كونترول، قد زادت من حدة الأزمة الاقتصادية”. وأضافت “من نافل القول أن تلك الأزمة قد ألقت بثقلها على الأسرة، التي راحت بدورها تتخبّط في مواجهة الأزمة الفجائية المعقّدة، وتعجز عن تلبية احتياجات أفرادها، من مادّية وصحّية وتربوية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة”.
الدكتورة سحر مصطفى
تناولت رئيسة قسم التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسكّان في معهد العلوم الاجتماعية ــــــ الفرع الأول، الاسرة وميزانيتها المالية باعتبارها منظومة علائقية تفاعلية، تشمل الإدارة المالية للأسرة والعوامل المؤثرة فيها، مشيرة إلى الميزانية الاسرية كمفردة من مفردات «حسن التدبير»، ومتناولة تداعيات سوء الإدارة المالية على الاسرة، والمعنى الاجتماعي للمال، والإدارة والإرادة. واعتبرت مصطفى “أنّ العوامل المؤثّرة في الإدارة المالية للأسرة تتمحور حول: المستوى الاجتماعي للأسرة، والمستوى التعليمي للزوجين، ومكان سكن الأسرة، وعمل الزوجة خارج المنزل، وشكل العلاقات داخل الاسرة، والطور الذي تجتازه الأسرة، وحجم الأسرة وتركيبها، ودخل الأسرة”.
بيّنت الدكتورة سحر أنّه “يمكننا أن نلخّص «حسن التدبير» بانه مفهوم إداري اجتماعي ديني بامتياز، ويُقصد به وضع كل شيء في المكان المناسب والوقت الملائم، وهو ذو ارتباط بالكيفية والكمية كما له ارتباط بالتربية، وبالشخصية، وبتوازننا النفسي وبقدرتنا على الإدارة، ولذا فهو يشكل منظومة متكاملة”. ولفتت أنّ “زيادة الموارد داخل الأسرة تتمحور حول عمل اضافي لرب الأسرة، وعمل للأم، إضافة إلى إشراك الأبناء في تأمين دخل إضافي للأسرة، ناهيك عن استثمار أرض او أملاك عينية بطريقة أفضل، والاستفادة من موارد ضمن الأسرة الممتدّة”. وأشارت إلى تمحور “مجالات الترشيد حول المسكن، والملبس، والغذاء، والمياه، والكهرباء، والصحّة والتعليم”. معتبرة أنّ تداعيات سوء التدبير على الأسرة يتمثّل في “تراجع قدرة الاهل على إشباع احتياجات الأبناء، واضطرار بعض الاسر لدفع الأبناء للعمل، إضافة إلى الدخول في حالة من التوتّر والقلق الذي قد يرفع منسوب العنف.
الدكتور عبد الحليم فضل الله
عرض الأستاذ الجامعي ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق مداخلته بعنوان “انعكاسات الأزمة الاقتصادية والنقدية على اقتصاديات الأسرة في لبنان، العوامل والمؤشرات وسبل الوقاية” متناولاً المدخل إلى الأزمة بوصفها متعدّدة العناصر، وتشمل الأزمات الاقتصادية والنقدية، والأزمات المصرفية والعقارية، والأزمات المالية العامّة، وهذا بحسب فضل الله نادر الحدوث في الدول التي تمر بأزمات. وتطرّق إلى “مؤشّرات الأزمة من خلال انخفاض حاد في الناتج المحلّي الإجمالي، وتدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية، وانخفاض في سعر الصرف الحقيقي، والانكماش الاقتصادي، وارتفاع في معدّلات التضخّم الذي لامس عتبات التضخّم المفرط، وارتفاع معدّلات البطالة، وتراجع التوظيف بسبب الأزمة وجائحة كورونا”.
بينما تمحور تحليل المؤشّرات حول ارتفاع خط الفقر وزيادة معدّلاته، وتأثير إيقاف دعم سعر صرف السلع الأساسية، ورأى الدكتور عبد الحليم ” في أسباب الأزمة وأبعادها ثلاثة عناصر، أوّلاً افتعال القدرة الشرائية بتكاليف باهظة من خلال دعم سعر صرف لليرة اللبنانية المثبّت، وثانيًا: الانفصال بين الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي، وثالثًا: نمو الاستهلاك بأعلى من نمو الناتج، ورابعًا: النظر إلى الاستهلاك على أنّه من محرّكات النمو”. وفي الخلاصة والتوصيات، اعتبر فضل الله، أنّه يجب على الأسر أن تتكيّف مع أزمة ستستمر طويلاً من خلال إجراءات تتوزّع وفق أربعة صعد: إدارة الاستهلاك، وإدارة الأصول والمدّخرات، وإدارة المديونية، وإدارة العلاقة بين المجتمع والدولة. لافتاً أنّه لا يمكن للأسر من الناحية الواقعية استيعاب نتائج الأزمة من دون دعم قوي من الدولة وبرامج سريعة للإنقاذ والتعافي، مشيراً إلى أنّ ترك الأسر لمصيرها سيُقوّي تيّار الهجرة بمداخيل منخفضة، وسيلحق الضرر بالرأسمال الاجتماعي الذي جرت مراكمته عبر مدّة زمنية طويلة، كما أنّه سيُعزّز ظاهرة الاستبعاد الاجتماعي، وأكّد فضل الله على دور الدولة في هذه المرحلة الانتقالية للحؤول دون تآكل هذا الرصيد.
الدكتور أيمن عمر
عرّف أستاذ الاقتصاد في كليّة العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية موازنة الأسرة، متناولاً اختلال الإدارة المالية للأسرة، وقواعد تحديدها، مبيّناً مصادر تمويل موازنة الأسر، ومكونات سلّة الاستهلاك، ومؤشر أسعار الاستهلاك المرتبط بأنماط إنفاق الأسر، وارتفاع أسعار السلة، وترشيد الإنفاق، وفتح آفاق تساعد الأسرة على إنفاق أو استثمار أموالهم بأفضل طريقة ممكنة تحدّد مصادر الدخل، وتساعد على تخطيط الانفاق (المصروفات)، وتحديد الأولويات في المصروفات، من خلال طريقة استعمال الفرد والأسرة للدخل في فتره زمنية محدّدة قد تكون سنةً أو شهرًا أو أسبوعًا.
وبيّن دكتور عمر أسباب اختلال الإدارة المالية للأسرة في الأحوال العادية من خلال زيادة النفقات عن المداخيل لأسباب عديدة في ظل الأزمة الحالية، وتدهور سعر الصرف، والتضخم المالي، وحجز أموال المودعين بالقوّة وليس كابيتول كونترول، إضافة إلى جشع التجار، وفشل دعم الأسر. واستعرض “نتائج اختلال الإدارة المالية للأسرة، من خلال عجز في تحقيق الرفاهية وفي تلبية بعض الحاجات الأساسية. وهو أمر ينتج عنه مشكلات نفسية واجتماعية، ومشكلات أسرية قد تؤدّي إلى الطلاق، ناهيك عن الجنوح نحو طرق غير مشروعة تهدّد الأمن الاجتماعي أساس الأمن القومي”. وتطرّق إلى قواعد تحديد موازنة الأسرة، ومنها قاعدة المدّة الزمنية، وقاعدة التوازن بين الإيرادات والنفقات بقدر الاستطاعة، وقاعدة الواقعية عند تقدير إيرادات ونفقات البيت، وقاعدة المرونة وإمكانية التعديل في بنود النفقات، وذلك من خلال مؤشرات عامّة، ومصادر تمويل موازنات الأسر، المتمثّلة في مداخيل الأسر، وشرائح مداخيل الأسر، ومكوّنات سلّة الاستهلاك، واختتم عرضه بالإشارة إلى ضرورة وأهمية اعتماد “الاقتصاد التكافلي”.
خلصت الندوة بمشاركة الأساتذة والحضور من خلال أسئلة قيّمة للمحاضرين، توجّهت خلالها منسّقّة المختبر الدكتورة لبنى عطوي بكلمة شكر لجميع المشاركين والمنظمين من الأساتذة وفرق العمل الإعلامية والتقنية التي جهدت لإنجاح هذا اللقاء، مبيّنة إنّنا في علم الاجتماع الأسري نقول عادة “قلّما تكون دورة الحياة الأسرية خالية من الازمات. في الواقع لا بدّ من أن تمر الأسرة في أزمات، وهذه الازمات يحتمل أن يتبعها فترات من إعادة التنظيم، وبعض النظريات في علم الاجتماع الأسري تقول أنّ الأزمة ممكن أن تُقدّم فرصًا غير مسبوقة للمجتمع وللجماعة الأسرية ككل، ولإعادة تطوير الوعي النقدي وبناء مستقبل مختلف تمامًا وجذريًا عن الماضي والحاضر. وبيّنت أنّ الأرقام التي عرضت تدق ناقوس الخطر، معتبرة أنّ هذه الازمات تحبط التوقّعات المعيارية للأدوار الأسرية، ولكن من الممكن أن تُشكّل أيضاً فرصة كي نتعلّم دروسًا في كيفية إدارة شؤون الأسرة لمستقبل أفضل”. وأضافت عطوي ” كثرة الحرمان والتقتير قد تؤدّي إلى الاضطرابات الأسرية، ونحن لا ندعو للتقتير وللبخل، إنما هناك فرق بين التقتير وحسن الإدارة، نحن دائماً نقول أنّه على الأفراد في الأسرة ان يسعوا إلى المواءمة ما بين حسن الإدارة وما بين عملية التوفير والمحافظة على قدر معيّن من السعادة”.
اختتمت الندوة بتعقيب رئيس مركز الأبحاث البروفسور أبو رضا الذي شكر جميع المشاركين والمنظّمين والحاضرين من طلاب وأساتذة جامعيين، معتبراً أنّ “أهمية هذه الندوة تكمن بموضوع الكابيتال كونترول وموازنة الأسرة، وبكونها قدّمت من قبل المحاضرين لمقاربة معطيات مهمّة جداً بأبعادها الإدارية والاقتصادية والسوسيولوجية. ونوّه بعمل مختبر علم اجتماع العائلة الذي بإمكانه أن يُقدّم مخرجات علمية، وتوصيات واقعية من هذه المدخلات، كيي يُصار إلى تعميمها كتوصيات للنشر بغية تعميم الفائدة.
واعتقد بروفسور أبو رضا “أنّه يجب أن نستفيد من هذه التوصيات من خلال شرح الواقع المأساوي ضمن إطار الحال الراهن، بغية وضع تصوّر تصحيحي بالمستقبل. إذ اعتبر أنّ دور المركز لا يتوقّف عند طرح المشكلات فقط، وإنما يجب أن يتعداه إلى وضع التصوّرات والحلول. وفي هذا الإطار تمنى أبو رضا على منسقة مختبر علم اجتماع العائلة الدكتورة لبنى عطوي “العمل على تكوين مخرجات علمية في إطار معالجة، أو توجيه، أو ترشيد العائلات والأسر من أجل الحفاظ عليها، واستمرارها لحفظ التماسك الاجتماعي والتضامن اللبناني على مستوى الأسرة كما المجتمع والوطن”.
زر الذهاب إلى الأعلى