مرجع اقتصادي للحوارنيوز: الحل بقيام دولة القانون وتطبيق القوانين المنجزة
الحوار نيوز – خاص
“الحل سياسي ..وبدولة القانون وتطبيق القوانين المنجزة والمحتجزة في أدراج المصالح الفئوية..”
بهذه العبارات يلخص مرجع إقتصادي كبير، كان له باع طويل في إنجاز القوانين التي أقرها مجلس النواب، حكاية الإنهيار الذي ضرب لبنان وسبل الخروج منه.لكنه لا يقلل من عصف هذه الأزمة ومن الفترة الزمنية التي يحتاجها البلد لاستعادة عافيته.
يضيف هذا المرجع خلال جلسة مصارحة مع الحوارنيوز: مشكلتنا متعددة الوجوه، منها سياسي ومنها إقتصادي ناتج عن انعدام الرؤية وغياب القرار السياسي. عندما واجهت مصر، ذات المائة مليون نسمة، أزمتها الاقتصادية، كان في احتياطها أربعة مليارات دولار فقط، وعندما وقع لبنان كان في احتياطه نحو خمسين مليار دولار. ومع ذلك إنهار البلد، لأن السياسة المالية والنقدية لم تكن صحيحة، إنفعالية همها شطب الديون، لا وضع خطة علمية متكاملة لتجاوز الأزمة بأقل الخسائر. فلو طبقنا الكابيتال كونترول باكراً لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
ويرى المرجع نفسه أن الحلول ليست مستحيلة، وهي تتطلب جملة من الإجراءات الضرورية التي لا بد منها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية، على النحو الآتي:
أولا: الأزمة المصرفية والودائع. فما من صاحب رؤية إقتصادية ومتابع دقيق إلا وكان يرى الأزمة مسبقا ويتوقع الإنهيار قبل حصوله. وهناك نماذج وأمثلة ووقائع عديدة تدلل على ذلك.فيوم اعتمد مصرف لبنان مقاصة الدولار منذ التسعينات ،كان ذلك مؤشرا على الوصول إلى سياسة “اللولار” الحاصلة اليوم.كان الحديث عن 180 مليار دولار من الودائع، بعضها وهمي، لأنه كان نتيجة نقل أموال داخلية من مصرف إلى آخر، عبر مصرف لبنان، وكلها تسجل على أساس أنها ودائع آتية من الخارج.ثم أن الفوائد العالية حفزت الكثير من المغتربين على نقل أموالهم إلى لبنان. كانت الفوائد غير طبيعية، وهي وصلت في بعض الأحيان إلى 16.5 بالمائة.هذه الودائع استدانتها الدولة وباتت عاجزة عن تسديدها.
الحل الأمثل لأزمة الودائع هو في إنشاء مصرف جديد (bad bank ) تنقل إليه جميع الاحتياطات والديون والمحافظ بما فيها محفظة مصرف لبنان، وتوضع خطة متكاملة لتسديد الودائع وفق أسس ومعايير مختلفة قد تأخذ بعض الوقت، لكنها تعيد الاستقرار النقدي والاقتصادي شيئا فشيئا.
على سبيل المثال لدى الدولة أملاك عامة لا يستهان بها، ويمكن تحفيز المودعين على شراء جزء من هذه الأملاك لتسديد ودائعهم ضمن خطط مدروسة وواقعية. وفي الخلاصة قبل الحديث عن الودائع يجب البحث في أي نظام حكم سنعتمده مستقبلا.
ثانيا: ضرورة تطبيق القوانين المنجزة من مجلس النواب وهذه بعضها:
- قانون الشراء العام المتعلق بالمناقصات على وجه التحديد. كانت هنالك مشكلة في القوانين السابقة إسمها “التصنيف” وهي بمثابة الخناق او ضمان الحصرية بعدد من الشركات، وهذه ألغيت من القانون الحالي. وعلى سبيل المثال كانت الشركات المتقدمة للعروض تخضع للتصنيف مسبقا ويتم إختيار البعض منها مزاجيا. وكان الإعلان عن المناقصات يتم بصورة شبه سرية في وسائل إعلام غير رائجة . اليوم صار الإعلان عنها يفترض أن يتم في مواقع الكترونية علنية ،وتعلن النتائج بنفس الطريقة الشفافة بموجب القانون.
- قانون تنظيم الشراكة مع القطاع الخاص. وتطبيق هذا القانون ضرورة ملحة لأكثر من سبب.فالدولة بحاجة إلى موارد ،وإشراك القطاع الخاص في مؤسسات الدولة يحفز هذه المؤسسات على الإنتاج وتحقيق موارد للخزينة العامة. اليوم القطاع العام معطل ،وهو يخنق القطاع الخاص الذي لا يتمكن من إنجاز معاملاته في دوائر الدولة،فكيف يمكن تحقيق موارد والحالة هذه؟..يجب أن نستفيد من التجربة البريطانية التي خاضتها مارغريت تاتشر بعد الانهيار الذي حصل في عهد الحكومة العمالية. ثم أن شراكة القطاع الخاص ترفع من قيمة المؤسسات العامة. البلد لن يقلع من دون شراكة.
- قوانين الكهرباء معطلة منذ عشرين سنة .كنا نتكلف سنويا ملياري دولار على الكهرباء ،ومن دون كهرباء للعموم. أدخلت إلى القطاع شركات الخدمات ، لكنها لم تنجز ما كان يُطمح إليه ،وبقي البلد من دون كهرباء على الرغم من الكلفة العالية.
معظم الجهات الدولية اعلنت مرارا بأنها جاهزة لدعم قطاع الكهرباء شرط تطبيق القانون وتشكيل الهيئة الناظمة وابراز موازنة شفافة لشركة الكهرباء، لكن عبثاً تنادي.
- قانون زراعة القنب (الحشيش) ما يزال في الأدراج من دون خطط تنفيذية. فدولة الاحتلال (إسرائيل) أقرت هذا القانون بعدنا بسنتين ، وهي اليوم تستفيد منه.
- هناك عشرات القوانين الأخرى المجمدة في الأدراج نتيجة عدم تطبيقها من خلال المراسيم التنظيمية. صحيح أن تنفيذ هذه القوانين هو من مسؤولية الحكومة والوزراء، ولكن عندما تتقاعص الحكومة أو الوزراء ، يفترض أن تُطرح الثقة بهم ، وهذه مسؤولية النواب ومجلس النواب. ولكن للأسف نحن امام نظام طائفي يحمي نفسه على حساب الرقابة والمحاسبة وتطبيق القوانين.
يخلص المرجع الاقتصادي الكبير إلى القول:لبنان من الأساس يعيش على “المصل الإغترابي”.ولولا هذا المصل لكانت الكارثة أكبر مما نحن فيه بكثير، مع العلم أننا ضيعنا مدخراتهم وودائعهم ، فباتت إمدادتهم تقتصر على عائلاتهم فقط.ولا سبيل لتشجيعهم على الاستثمار إلا بإصلاح الأحوال.وهذا يتطلب دولة قانون وتفعيل المؤسسات الرقابية التي أنشأها الرئيس فؤاد شهاب ، من مجلس الخدمة إلى التفتيش المركزي إلى ديوان المحاسبة.وهذا يقتضي بالدرجة الأولى حلا سياسيا قبل الحلول الإقتصادية ،وإلا سنبقى نتخبط في أزمتنا إلى ما شاء الله.