مدينة بوسان الكورية تتحضر لإستقبال “إكسبو” العالمي عام 2030
الحوارنيوز – خاص- بوسان-كوريا الجنوبية
كجزء من مساعيها الطموحة لاستضافة معرض “إكسبو” العالمي لعام 2030، شرعت ثاني أكبر مدينة في كوريا الجنوبية، المطلة على المحيط الهادئ، في تشكيل هيئة تعاونية لتعزيز التعاون والشراكات العالمية في مجال الهواء النقي والطاقة والتنمية المستدامة.
تحت شعار “تحويل عالمنا، والمضي قدماً نحو مستقبل أفضل”، يدعو مخطّط بوسان الدول المشاركة إلى زيادة التعاون فيما بينها بهدف استكشاف السبل التي ستساعد في رسم مستقبل يوفّر التنمية المستدامة للدول والشركات المغامرة والمبتكرين الذين يسعون لتمهيد الطريق أمام الأجيال القادمة.
شراكة من أجل مستقبل أفضل
تهدف اللجنة المنظمة لاستضافة معرض “إكسبو” العالمي لعام 2030 في بوسان إلى تقديم رؤية للبشرية من أجل مواجهة أكثر التحديات إلحاحاً في الوقت الحاضر: تغيّر المناخ – التعايش المستدام مع الطبيعة؛ التحوّل إلى التكنولوجيا الرقمية – التكنولوجيا من أجل البشرية؛ والاستقطاب الاجتماعي والاقتصادي – منبر للرعاية وتبادل الخبرات. إنّ مفتاح تحقيق هذه الأهداف النبيلة هو التركيز على الحلول التي ستساعد العالم على رعاية بعضهم البعض بشكل أفضل، وهو المسعى الذي تعمل حكومة كوريا الجنوبية وقطاعها الخاص جاهدةً على تحقيقه.
لا يمكن القول بأنّ العالم قد خرج من دائرة الخطر. فقد تسبّب كلّ من الصراع الروسي-الأوكراني الحالي والسياسة المالية العالمية الصارمة بإحداث فوضى في سلاسل التوريد العالمية وبإثارة واحدة من أسوأ الضغوط التضخمية في التاريخ. وأصبح الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن التكنولوجي والأمن الدفاعي يشكّل تهديداً هائلاً ليس بالنسبة لكوريا الجنوبية فحسب بل لجميع الدول التي تتعايش مع عصر التواصل المفرط هذا.
إنّ كوريا الجنوبية تدرك جيداً المعضلة التي تواجه الدول النامية والمتقدّمة، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تمكّنت من النهوض من أنقاض الحرب لتحقيق مكانتها الحالية كمركز مالي وتجاري وتكنولوجي في أقل من من 70 سنة. وفي حين لا تزال حكومات العالم أجمعه متحيّرة بشأن ما إذا كانت ستبتعد عن التجارة الحرة لتلجأ إلى الحمائية، تبقى كوريا الجنوبية، بما فيها بوسان، الدولة الوحيدة المدركة لمزايا التعاون مع الشركاء والدول الأخرى من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً.
تشتهر مدينة بوسان بتاريخها الثري الذي يعود إلى حوالي ألفي عام، إذ كانت بمثابة عاصمة مؤقتة لكوريا الجنوبية لأكثر من ألف يوم خلال الحرب الكورية1950-1953 ومأوًى لعدد كبير من النازحين في البلاد، ما أدّى إلى زيادة عدد سكانها ثلاثة أضعاف، من مجرد 300,000 إلى أكثر من مليون. خاضت قوات الأمم المتحدة معارك مدمّرة للسيطرة على محيط بوسان، وهو آخر خط دفاع في الحرب، من أجل ضمان وصول المؤن والتعزيزات إلى ميناء المدينة الجنوبية الشرقية من 33 دولة، 22 منها، بما في ذلك فرنسا، أرسلت قوات مشتركة بلغ عددها حوالي 370 ألفاً.
تقوم مدينة بوسان، حتى يومنا هذا، بتكريم الجنود من جميع أنحاء العالم الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب. ففي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، عند الساعة 11 صباحاً، تتوقف المدينة والبلاد عن العمل لتكريم الضحايا الذي يرقد العديد منهم بسلام في مقبرة الأمم المتحدة التذكارية في بوسان، الموقع التذكاري الوحيد من هذا القبيل للأمم المتحدة في العالم.
وقد طالت الثروة الصناعية والانتعاش الاقتصادي الذي شهدته كوريا الجنوبية مدينة بوسان. وحتى قبل الحرب، كانت بوسان مدينة تجارية نابضة بالحياة كما يتضّح من الحي الصيني الذي يقع قبالة محطة قطار بوسان، وسوق جاجالتشي، أكبر سوق للمأكولات البحرية في البلاد، وبالطبع مينائها، الذي هو سادس أكثر الموانئ نشاطاً في العالم، حيث بلغت حركة نقل البضائع فيه عام 2020 أكثر من 21 مليون وحدة تعادل 20 قدماً.
ليس غريباً على بوسان، التي يزيد عدد سكانها عن 3.4 مليون نسمة، أن تستضيف كبرى الأحداث الدولية. فهي موطن لأكبر مهرجان سينمائي في آسيا، مهرجان بوسان السينمائي الدولي الذي سيُحتفل بالذكرى الخامس والثلاثين على انطلاقه عام 2030. كما أنّها تستضيف جي-ستار، أحد أكبر مؤتمرات الرياضة الإلكترونية والألعاب السنوية في آسيا. وسبق لها أن استضافت دورة الألعاب الآسيوية 2002 وكانت واحدة من المدن المستضيفة لكأس العالم فيفا 2002، ولقمة “آسيان وكوريان الجنوبية” (ASEAN-ROK) عام 2019.
ساهمت تجارب بوسان وانتصاراتها في جعل الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للاقتصاد يصل إلى 1.66 تريليون دولار في العام الماضي، بعد أن بلغ بعد الحرب، أي عام 1953، 41 مليون دولار.
التنمية المستدامة
سيكون معرض “إكسبو” العالمي لعام 2030 بمثابة لحظة فاصلة بالنسبة للمجتمع الدولي، إذ يصادف في هذا العام ذكرى مرور عشرة أعوام على انتشار جائحة كورونا، وانطلاق أول معرض لمنظمه، المكتب الدولي للمعارض (BIE)، بعد مرور 100 عام على تأسيسه في عام 1928.
تدرك بوسان جيداً التحديات التي تواجه البشرية اليوم. فقد قامت كوريا الجنوبية، بصفتها دولة مضيفة لمعرضين سابقين في دايجون عام 1993 ويوسو عام 2012، بتسليط الضوء على التطورات التكنولوجية. من جهةٍ أخرى، من المرجّح أن يركّز معرض المستقبل على مهمة الجمع بين الدول والمجتمعات والجماعات للمساعدة في معالجة أصعب القضايا الإنسانية مثل تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والتحوّل التكنولوجي العالمي وتغيّر المناخ.
وقد نجحت بوسان كمدينة وكوريا كدولة في تحويل الأزمات إلى فرص. فبينما تسبّبت الجائحة بتدمير حياتنا اليومية وقطاعات الأعمال والاقتصاد بشكل عام، وقد أدت إلى تسريع الإنتقال إلى التكنولوجيا الرقمية وتبسيط عمليات الاتصال وآليات العمل والشبكات اللوجستية في كوريا.
إنّ هدف مدينة بوسان هو تيسير حدوث تغييرات مماثلة عالمياً. ولذلك فهي تقترح إحداث تحوّل في طريقة تفكيرنا وأفعالنا وأولوياتنا- وبعبارةٍ أخرى، إحداث تحوّل في جميع جوانب المجتمع والحكومة والقطاع الخاص بهدف التعايش مع العالم ومواكبة تطوراته.
كوريا هي مثال يُحتذى به. فهي تسعى إلى أن تصبح دولة محايدة للكربون بحلول العام 2050، وذلك بمشاركة جهود الصناعات الرئيسية من أجل الإنتقال إلى الطاقة المتجدّدة، فضلاً عن إدخال تغييرات على أعمالها وأعمال الشركات الشريكة لها بما يتماشى مع التحوّل الرقمي. وقد اضطلعت بوسان بدور ريادي من خلال إقامة شراكات مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وشركة أوسينيكس المتخصصة بالتكنولوجيا والتصميم لإنشاء أول نموذج في العالم لمدينة عائمة مستدامة، مدعومة بألواح كهروضوئية على أسطح المنازل والأسطح المائية وبأنظمة الدورة المغلقة لإعادة تدوير النفايات والمياه.
جرى تعيين رئيس مجلس إدارة مجموعة “أس كيه”، تشوي تيه وون، الذي يتولى أيضاً منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة الكورية كرئيس مشارك للجنة استضافة المعرض في كوريا، ممثلاً القطاع الخاص. وقد صرّح بأنّه “لا يمكن لدولة واحد بمفردها أن تتصدّى للتحديات العالمية، ومنها أزمة المناخ. يمكننا إحداث فرق عندما تتعاون الحكومات والشركات والمجتمعات في كل ركن من أركان العالم”، مضيفاً أنّ” معرض إكسبو العالمي لعام 2030 في بوسان سيعالج مختلف التحديات التي يواجهها العالم. وأعتقد أنه سيوفّر فرصة ثمينة للبلدان لتبادل الخبرات والبحث معاً عن الحلول”.
تدرك بوسان أن الأهداف التي حدّدتها لنفسها صعبة التحقيق، ولكنّها غير مستحيلة. فقد واجهت العديد من التحديات في الماضي، وهي مستعدة لمواجهة المزيد في المستقبل من أجل ضمان غدٍ أفضل ومشرق ومستدام للأجيال القادمة.