د. حكمت علي مصلح* – الحوارنيوز
في النظام البرلماني ،وعملا بمبدأ الفصل بين السلطات، تتولى السلطة المشترعة التشريع والسلطة التنفيذية تنفيذ القوانين . من هنا أقر مجلس النواب قانون صندوق التعويضات في في المدارس الخاصة وقانونين آخرين ،وبقي على السلطة التنفيذية تطبيق آليات اصدار ونشر القوانين، وبذلك نصت المادة 57 من الدستور ( لرئيس الجمهورية بعد اطلاع مجلس الوزراء طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لاصداره ولا يجوز ان يرفض طلبه وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حل من اصدار القانون الى ان يوافق عليه المجلس بعد مناقشة اخرى في شأنه واقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الاعضاء الذين يشكلون المجلس قانونا.وفي حال انقضاء المهلة دون اصدار القانون او اعادته يعتبر القانون نافذا حكما ووجب نشره ).
من المعلوم أن رئيس الحكومة تريث في نشر القوانين، ولكن بعد قراره نشر القوانين وجد ثلاثة اتجاهات هي :
الاتجاه الأولى يقول بحق رئيس الحكومة رد القانون وحقه باصداره ونشره . والاتجاه الثاني عدم حق رئيس الحكومة في الاصدار والنشر. والاتجاه الثالث يقول بعدم جواز الإمتناع عن اصدار ونشر القوانين من قبل رئيس الحكومة .
الجواب على المسائل الثلاث مايلي : ان حق رئيس الجمهورية في رد القوانين( المادة 57) أو الاعتراض على مقررات مجلس الوزراء( المادة 56) هما حقان مقرران بموجب موقعه الدستوري كحكم بين السلطات في النظام البرلماني، لكن هل هذا يجيز أن نفوت على قاعدة التريث بالتشريع درجة من درجات المراجعة والتريث، ان اصدار القوانين دون ردها من قبل الحكومة عند وجود موجب قانوني للرد، لا يعني البتة أنها أخذت موقع رئيس الجمهورية بل صلاحيته في التشريع وقامت بموجب المراجعة والتريث في التشريع .
على أن الامتناع عن النشر أخطر المسائل أمامنا، لأنه لا يجوز أن يقر مجلس النواب أي قانون ومن ثم تمتنع الحكومة عن نشره ،كون الامتناع هنا يعد خروجا عن القواعد في النظام البرلماني القاضية بتوازن السلطات وتعاونها حيث نصت الفقرة “هاء” من مقدمة الدستور.
( النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها ) والامتناع أيضا مخالف لنص المادة 56 ( يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر ) وهذه المخالفة تولد استبداد السلطة التنفيذية ( الحكومة ) بالحكم من خلال سد سبيل التشريع على المجلس في أخطر مرحلة من حياة البلاد وهي فراغ سدة الرئاسة . وفي النهاية نقول ان عدم جواز النشر أوعدم جواز الرد يوجب عدم التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال ،خلافا لما أصبح راسخا في دستورنا بجواز التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال.
وحتى نحمي الدولة من الانهيار وعملا بمبدأ ضرورة تسيير المرفق العام نعود الى المادة 62 من الدستور التي تنص ( في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء). فهذا النص لم يحدد الصلاحيات التي تنتقل الى الحكومة والصلاحيات التي لا تنتقل . ولما كان هذا النص جاء مطلقا لم يحدد بقيد أوشرط ،نطبق ما يعرف بالفقه الدستوري أن المطلق يبقى على اطلاقه، الى أن يأتي ما يقيده من نوعه وجنسه ولا يجوز الدخول في بزار الحديث عن صلاحيات تنتقل وأخرى لا تنتقل من الرئيس الى الحكومة ما خلا اليمين الدستورية ( المادة 50 ) والاستشارات النيابية في التكليف والتأليف للحكومة المادة ( 53) الدستور .
*استاذ جامعي وباحث في القانون الدستوري