مدعوون إلى بعبدا أساس الانهيار
أعلن رؤساء الحكومات السابقون رفضهم المشاركة في لقاء بعبدا يوم غد الخميس لاعتقادهم أنه ليس سوى مضيعة للوقت. وإني أوافقهم الرأي في جزئية الموضوع وليس في مبدئه، لأن العذر ليس في حقيقته الخوف على ضياع الوقت، وهم ضيّعوا الأجيال والأحقاب والأزمان، ولكنه العامل السياسي ونكده، إن لم نقل الإملاءات التي تطل من رأسها من هنا وهناك.
والمراقبة المجملة والموضوعية للقاء بعبدا، إن عُقد فعلاً، والنظرة المتفحصة للمشاركين فيه، ومنهم رؤساء سابقون ورؤساء الكتل النيابية و… إلى غيرهم من المدعوين، كل ذلك يفضي إلى بعض التأملات التي يكتنفها شيء من الغضب والسخرية والكثير من اليأس والقنوط:
أولاً: أحد أهداف اللقاء السعي لوأد الفتنة المذهبية والطائفية التي أطلّت برأسها في الأيام الأخيرة، ونحن نعلم جيداً أن مفبركيها -أي الفتنة- من المشاركين الذين يبرز تاريخهم الطويل مدى سعيهم لإذكاء نار الحروب. وقد كان لهم اليد الطولى في حرف انتفاضة 17 تشرين عن مسارها من خلال الشعارات المريبة وقطع الطرقات والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وما الأحداث الأخيرة التي كادت تؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه سوى غيض من فيض ممارساتهم وشيطناتهم.
ثانياً: ومن أهداف اللقاء أيضاً محاولة فرملة الانهيار الاقتصادي الذي بلغ في هذه المرحلة مبلغاً لم يعد بالمقدور تحمّله والسكوت عنه. وكلنا يعلم أن لغالبية المشاركين دوراً أساساً في تفاقم الوضع الاقتصادي ومساره الطويل الذي نشهد اليوم صيرورته. فهل من الممكن أن يتولّوا مهمة حماية ثروات الشعب، وهل غالبية المشاركين يعيشون واقع الناس المزري ويفقهون لغة الفقر والجوع والعوز؟
ثالثاً: ومن أهداف اللقاء دراسة قانون قيصر الأميركي وتداعياته على لبنان. لقد رفض البعض من جهابذة السياسة اللبنانية الاتصال بالحكومة السورية قبل إصدار هذا اللقاء لما فيه مصلحة لبنان أولاً لمعالجة أزمة النازحين السوريين، وتصدير البضاعة اللبنانية إلى سوريا باتجاه الأردن والعراق، والكثير من الإشكالات التي تعيق لبنان والتي تكمن الحلول فيها من خلال سوريا، فهل سيقوم هؤلاء بعد صدور هذا القانون بالتواصل مع الدولة السورية وهم الذين يسعون لرضى الأميركيين عند كل ضفة؟
رابعاً: عندما يُراد تحقيق توافق بين فريقين أو طرفين أو وجهتي نظر أو أكثر، فيجب وضع نقاط الالتقاء على طاولة البحث للانطلاق من خلالها نحو معالجة نقاط الاختلاف، فأين تكمن نقاط الاشتراك بين المجتمعين ليكون اجتماعهم ناجحاً وسعيهم مثمراً؟ إنهم لا يتفقون على جوهر الكيان اللبناني، ولا سبل العلاقة مع سوريا، ولا الموقف من الكيان الصهيوني، ولا من التعامل مع الغرب أو الشرق، ولا الموقف من المقاومة وسلاحها، ولا من فلسطين المحتلة وقضيتها، ولا من الطائف أو دستور 1943، ولا من انتفاضة 17 تشرين ومطالبها، ولا حكايات الماضي، وشؤون الحاضر، وحيثيات المستقبل…
لن يكون لهذا اللقاء أية نتائج مجدية لأن أسس المشكلة تكمن في أكثرية من سيحضر مهما كان تمثيلهم الشعبي والسياسي، وكما دمّروا البلاد حرباً وسياسة واقتصاداً واجتماعاً، فإنهم لن يجترحوا حلولاً ليسوا مستفيدين منها، وقد عبّر البعض عن ذلك بالقول إنهم ليسوا في الحكم ولا يريدون إنجاح حكومة دياب.
المرحلة التي نعيشها شديدة الخطورة، ولا أحد ينكر ذلك، وعلى الحكومة ومن معها أن يقوموا كمرحلة أولى بالحلول الجذرية التي تساعد على عدم انهيار الاقتصاد والليرة اللبنانية، بمعزل عن من يعتبر نفسه في المعارضة، ولا شك أن المسألة يلزمها قرارات جريئة ونوعية بعيدة عن البازارات السياسية اللبنانية المقيتة ورجالاتها البائسين، فلقد أصبحنا في الدرك الأسفل اقتصادياً ومالياً ولن نكون مع التغيير في وضع أشد سوءاً.