مخاوف جدية من ضياع العام الدراسي في لبنان
د. فيصل زيوّد -الحوارنيوز خاص
اجتاح وباء كورونا المستجد "كوفيد 19" حواجز الزمان والمكان، وجاءت دعوات "التعلم عن بعد لتجتاح هي الأخرى حواجز المكان والزمان. وهل برامج التعليم الافتراضي تستطيع ان تقدم طوق النجاة؟.
ذكر تقرير لـ"اليونسكو" أن "انتشار الفيروس سجل رقمًا قياسيًّا للأطفال والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة، فقام عددا من الدول بإغلاق المدارس لمنع انتشار الفيروس أو لاحتوائه. وإذا ما لجأت هذه البلدان إلى إغلاق المدارس والجامعات على الصعيد الوطني، فسيضطرب تعليم أكثر من 500 مليون طفل وشاب آخرين، وفق المنظمة.
تشير منظمة "اليونسكو" إلى أن ثروة الموارد التعليمية الرقمية تشمل تطوير مناهج ابتكارية وبرامج دراسية ومسارات تعليمية بديلة ، وكل ذلك يمكن تيسيره عبر الإنترنت والتعليم عن بُعد والدورات القصيرة القائمة على المهارات. فوضعت المنظمة مجموعة من البرامج التي تساعد على التعلم عن بعد، ومنها تطبيق "بلاك بورد" Black Board))، وهو تطبيق يعتمد على تصميم المقررات والمهمات والواجبات والاختبارات وتصحيحها إليكترونيًّا، والتواصل مع الطلاب من خلال بيئة افتراضية وتطبيقات يتم تحميلها عن طريق الهواتف الذكية.
وكذلك منصة "إدمودو" Edmodo))، وهي منصة اجتماعية مجانية توفر للمعلمين والطلاب بيئةً آمنةً للاتصال والتعاون، وتبادل المحتوى التعليمي وتطبيقاته الرقمية، إضافة إلى الواجبات المنزلية والدرجات والمناقشات. وتطبيق "إدراك"، المعني بتعليم اللغة العربية عبر الإنترنت، وتطبيق "جوجل كلاسروم" (Google Classroom)، الذي يسهِّل التواصل بين المعلمين والطلاب سواء داخل المدرسة أو خارجها، وقد لجأت بعض الكليات المصرية –ومنها كلية الصيدلة بجامعة القاهرة- إلى توفير الاشتراك به (مجانًا) لكل طلابها كوسيلة للتعلم عن بعد، وتطبيق "سي سو" (seesaw)، وهو تطبيق رقمي يساعد الطلاب على توثيق ما يتعلمونه في المدرسة وتقاسمه مع المعلمين وأولياء الأمور وزملاء الدراسة، وحتى في العالم، وتطبيق Mindspark، الذي يعتمد على نظام تعليمي تكيُّفي عبر الإنترنت، يساعد الطلاب على ممارسة الرياضيات وتعلمها.
جميعنا يعرف أن التأخر في بدء العام الدراسي أو انقطاعه سيؤدي إلى حدوث اضطراب كامل في حياة العديد من الناس. وهناك الكثير مما يمكن عمله للحد من هذه الآثار على الأقل، وذلك من خلال استراتيجيات التعلُّم عن بعد. وتعد البلدان الأكثر ثراء أفضل استعداداً للانتقال إلى استراتيجيات التعلُّم عبر الإنترنت، وإن اكتنف الأمر قدر كبير من الجهد والتحديات التي تواجه المعلمين وأولياء الأمور. ولكن الأوضاع في البلدان المتوسطة الدخل والأفقر ليست على ما يرام، ان لناحية الانعدام في تكافؤ الفرص الذي سيزداد تفاقماً اذا لم يتم تداركه.
فالعديد من الأطفال لا يملكون مكتباً للدراسة، ولا كتباً، فضلاً عن صعوبة اتصالهم بالإنترنت أو عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة في المنزل، في حين يحظى آخرون بكل ما سبق.
لذا يتعين علينا تفادي اتساع هذه الفوارق في الفرص وتجنب ازدياد الآثار السلبية على تعلُّم الأطفال الفقراء.
في منتصف آذار2019 وبسبب تفشي وباء Covid-19.، وبسبب الاجراءات المتّخذة للحدّ من انتشار الفيروس، وكان أبرزها إغلاق أبواب المدارس والجامعات، ممّا أدّى الى انقطاع الطلاب والطالبات عن الحضور الى المؤسسات التعليمية لتلقي دروسهم الصفّية، وبذلك دخلنا مجبرين مرحلة التعليم عن بُعد، هذا الواقع، دفع العديد من الدول إلى تفعيل نظام التعلم عن بُعد، فتفاوتت فاعليته بين دولةٍ وأخرى، وحتى بين مدرسةٍ وأخرى ضمن الدولة الواحدة، لا سيما أنّ هذا النوع من التعليم هو جديدا على الطلبة والمعلمين على حدٍ سواء.
ماهو وضع لبنان مع التعليم الإلكتروني ؟:
بدأ لبنان تجربة التعلم عن بعد من خلال المنصات الإلكترونية بعد أن قدمت شركة "مايكروسوفت" تطبيق Microsoft teams بشكلٍ مجاني للأساتذة، وشابته معوقات كبيرة، في ظلّ انقطاع الكهرباء والانترنت والانهيارات الاقتصادية الكبيرة التي يشهدها لبنان منذ ما قبل "كورونا" حتى اليوم.
التحدي كبير امام ادارات المدارس والمؤسسات التعليمية بشكل عام، وبالأخص تقع المسؤولية الأكبر على عاتق الأساتذة الذين عليهم ان يوصلوا المواد التعليمية بالطريقة المناسبة، لذلك فإن عملية التواصل مع الطلاب وأهلهم وتأهيل الأساتذة تحتل المرتبة الأهم، لكي يتم إنجاح التجربة للمرة الأولى.
الأهالي نتيجة ظروفهم النفسية والاقتصادية التي تدهورت نحو الأسوأ بعد انتشار "كورونا" في لبنان، فنلاحظ ان الكثير منهم يردد أنّ فرصة التعلم عن بُعد غير مُجدية وغير جديّة عند البعض وغير متاحة لفئة كبيرة من الطلاب لا سيّما لجهة الإمكانيات اللوجستية التي هي ضعيفة جدًا في لبنان ، بسبب تقنين الكهرباء وتحديدًا لطلاب الطبقة الفقيرة الذين لا يستطيعون الاتصال بشبكات الانترنت، ممّا يؤدي الى عدم تأمين فرص متكافئة لجميع الطلاب الذين ليس لديهم هواتف وكمبيوترات في منازلهم، إلى جانب قلة الخبرة وعدم تأهيل وتدريب الأساتذة على أساليب التعلم عن بُعد، مما ينعكس على ضعف إيصال المعلومات للتلاميذ.
أهل التلامذة يكرّسون معظم أوقاتهم في تعليم أولادهم، ويحلّون في كثير من الأحيان مكان الأساتذة المتخصصين، وغالباً ما يضطرّون إلى التعلم من جديد للتمكن من الشرح لأولادهم. بغضّ النظر عن المتطلبات الكثيرة المتعلقة بهذه المرحلة، والتي تتعلّق بالتجهيزات، وتأمين أقساط المدارس التي يجب عليهم أن يدفعوها. من الناحية النفسية، يعاني الأهل من القلق في هذه المرحلة خوفاً من الفشل في دعم أولادهم دراسيّاً، والضغط النفسي بسبب كثرة المسؤوليات، بالإضافة إلى الشعور بالعجز والتقصير تجاههم، علما اننا نعرف ان هناك نسبة كبيرة من المنازل التي لا يملك كل واحد فيها لابتوباً خاصاً به.
في العام الدراسي المنصرم يبدو جليًا إن قدرات مقدمي التعليم عن بعد غير متكافئة للغاية. ومن الاستراتيجيات التي استخدمت:
-إرسال المحتوى عبر الواتساب.
-استخدام الإصدار المجاني من زووم Zoom لعقد 40 دقيقة دراسية (المهلة الزمنية لحزمة Zoom المجانية).
– إرسال المعلومات عبر البريد الإلكتروني ونقل المحتوى إلى نظام إدارة التعلم المناسب .
لا شك ان هناك فرصة للتعلم والاستفادة من الكم الهائل من المحتوى والأدوات التي يتم تقديمها مجانًا على مستوى العالم. اذ استطاعت الجامعات في توفير بعض الموارد من الاعتماد في الدورات الجامعية المجانية التي تقدمها إدكس Edx وكورسيرا.
أمام جميع الأنظمة التعليمية مهمة واحدة، ألا وهي التغلب على أزمة التعلُّم التي نشهدها حالياً، والتصدي للجائحة التي نواجهها جميعاً. والتحدي الماثل اليوم يتلخص في الحد من الآثار السلبية لهذه الجائحة على التعلُّم والتعليم المدرسي ما أمكن، والاستفادة من هذه التجربة للعودة إلى مسار تحسين التعلُّم بوتيرة أسرع. ويجب على الأنظمة التعليمية مثلما تفكر في التصدي لهذه الأزمة، أن تفكر أيضاً في كيفية الخروج منها وهي أقوى من ذي قبل، وبشعور متجدد بالمسؤولية من جانب جميع الأطراف الفاعلة فيها، وبإدراك واضح لمدى إلحاح الحاجة إلى سد الفجوات في فرص التعليم، وضمان حصول جميع الأطفال على فرص تعليم جيد ومتساوية.
أن الانتقال كلياً إلى التعليم الالكتروني ليس ممكناً في ظل التكنولوجيا المتدنية، اذ ان التجربة لم تكن مشجعة، فغاب التفاعل بين الأساتذة والطلاب، وجرى الاعتماد على الكم المعرفي والحفظ على حساب النقاش والتحليل، وازدادت اللامساواة في التعليم، والتقييم لن يكون دقيقاً وسيشوبه الغش بشكل كبير.
كل ذلك يدفعنا الى التساؤل، هل الظروف مناسبة للسير بالتعلم عن بعد بشكل كلّي؟، وهل البنية النفسية والاجتماعية والبنية التحتية مؤهلة لذلك؟، وهل هناك بلد في العالم انتقل كلياً إلى التعليم عن بعد؟، مع العلم أن الانتقال الكلي إلى هذا التعليم يلغي التفاعل داخل المجتمع الأكاديمي والمساحة المشتركة التي توفرها المؤسسة التعليمية.
بما أن قطاع التعليم يبنى بالثقة مع المعنيين من أساتذة وطلاب وأهل ويفترض أن تكون البنى التحتية مؤهلة لمواكبة ذلك، وبما أننا في لبنان نفتقر الى الكثير مما تستوجبه عملية التعلم عن بعد، فإننا نتوقع التعثر في الانطلاق الفعلي والطبيعي للعام الدراسي ، الذي لا شك فيه أن الجميع سيعاني من ذلك.
نأمل أخيرا من وزارة التربية ان تتنبه الى الفروقات التي ستحدث بين الطبقات الاجتماعية وخصوصا لجهة تلقي العلم بشكل صحيح، وان لم يتم تدارك ذلك، سنصل الى فوضى وانحدار مستوى التعليم وانعكاس ذلك على السلم الأهلي.
* باحث تربوي