إقتصادنفط

مخاطر العقوبات على روسيا وإمكان تجاوزها (عماد عكوش)

 

بقلم الدكتور عماد عكوش – الحوار نيوز

       ما يزال الاتحاد الاوروبي يخضع لإملاءات الولايات المتحدة الاميركية ، أداة طيعة بيد الاميركي لتحقيق أهدافها السياسية ، الاقتصادية ، والعسكرية . ومن هذا المنطلق أطلق هذا الاتحاد الحزمة الـ 14 من العقوبات ضد روسيا ، والتي تستهدف هذه المرة صادرات موسكو من الغاز الطبيعي المسال (LNG) لأول مرة ، ويهدف هذا الاجراء الى حرمان روسيا من التدفقات المالية الناتجة عن عوائد صادرات الغاز المسال، خاصة مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الـ 29 ،وبنفس الوقت أعطاء دفع جديد لصناعة الغاز المسال الاميركي .    

لكن هذه العقوبات لا ترقى إلى مستوى الحظر التام على شحنات الغاز الطبيعي المسال الروسي ، وهذا يعكس حقيقة أن هناك خلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول فرض هذه العقوبات، وما يزال مسموحا لبعض الدول شراء الغاز الطبيعي المسال من موسكو .

هذه المحاولات الغربية لإخضاع روسيا اقتصاديًا من خلال العقوبات لم تحقق الأهداف المرجوة بالكامل لأسباب متعددة كما كان لها انعكاسات على الاقتصاد الاوروبي والعالمي، منها :

   – روسيا أظهرت قدرة ملحوظة على التكيف مع العقوبات من خلال تعزيز الاعتماد على الذات وتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى مثل الصين ، الهند ، ايران ، بنغلادش ، ودول أخرى .

   – الحكومة الروسية اتخذت إجراءات لدعم الاقتصاد المحلي مثل تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وزيادة إنتاج الموارد المحلية ، وكان أخرها الاجراء الذي اتخذه المصرف المركزي الروسي، وهو تعليق تداول العملات وتسويات الأدوات القابلة للتسليم بالدولار الأميركي واليورو ، وفقا لما نقلته “رويترز”. وتعني هذه الخطوة أن البنوك والشركات والمستثمرين لن يتمكنوا بعد الآن من تداول أي من العملتين عبر بورصة مركزية، ما يوفر مزايا من حيث السيولة والمقاصة والرقابة. وبدلاً من ذلك، سيتعين عليهم التداول خارج البورصة (OTC)، حيث تتم الصفقات مباشرة بين طرفين.

 وقال البنك المركزي إنه سيستخدم بيانات خارج البورصة لتحديد أسعار الصرف الرسمية. ويحتفظ كثير من الروس بجزء من مدخراتهم بالدولار أو اليورو، آخذين في الاعتبار الأزمات الدورية التي حدثت في العقود الأخيرة عندما انهارت قيمة الروبل. وطمأن البنك المركزي الناس بأن هذه الودائع آمنة.

وأضافت: “يمكن للشركات والأفراد الاستمرار في شراء وبيع الدولار الأميركي واليورو من خلال البنوك الروسية. وتظل جميع الأموال بالدولار الأميركي واليورو في حسابات وودائع المواطنين والشركات آمنة”.

   – العقوبات لا تؤثر فقط على روسيا، بل تمتد تداعياتها إلى الدول الأوروبية والعالمية التي تعتمد على الطاقة والمواد الخام الروسية.

   – أوروبا واجهت صعوبات في تأمين بدائل للغاز والنفط الروسي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتأثر الصناعات التي تعتمد على هذه الموارد.

   – الاقتصاد العالمي شهد اضطرابات في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية مثل الحبوب والأسمدة.

   – الإجراءات الغربية، بما في ذلك العقوبات، ساهمت في تفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية، حيث أن القيود على التجارة والطاقة تؤدي إلى ارتفاع التكاليف وزيادة التضخم في الدول الأخرى.

   – التوترات الجيوسياسية الناتجة عن العقوبات تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار التي تؤثر على الأسواق العالمية.

بالتالي، يمكن القول إن محاولات الغرب لإخضاع روسيا اقتصادياً لم تحقق أهدافها بالكامل وتسببت في تأثيرات اقتصادية سلبية تتجاوز روسيا وتمتد إلى الاقتصاد العالمي. ان إصرار الغرب على العقوبات يمكن أن يسهم في استمرار الأزمات الاقتصادية العالمية ، ما سينعكس على الاقتصاد العالمي سلبا لذلك .

وتحظر أحدث حزمة من العقوبات أيضاً الاستثمارات والخدمات الجديدة لاستكمال مشاريع الغاز الطبيعي المسال قيد الإنشاء في روسيا . وتشمل العناصر الأخرى فرض حظر على شركات الاتحاد الأوروبي من استخدام نظام بنك روسيا لنقل الرسائل المالية (SPFS) ، وهو نسخة بنك روسيا من نظام المراسلة بين البنوك التابع لـ (SWIFT) . وبموجب هذا الإجراء، سيتم السماح للمجلس الأوروبي بوضع قائمة ببنوك الدول الثالثة غير الروسية المرتبطة بالنظام ومنعها من التعامل مع مشغلي الاتحاد الأوروبي.

هذه العقوبات تم خرقها حتى من دول الاتحاد . فقد منعت ألمانيا ، على سبيل المثال، توسيع نطاق التدابير التي كانت من شأنها أن تجبر شركات الاتحاد الأوروبي على ضمان عدم تمكن عملائها من بيع السلع المحظورة إلى روسيا ، وكذلك فإن هنغاريا- التي ارتفعت قيمة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي بنسبة 59 بالمئة على أساس سنوي – طلبت ضمانات بأن أي إجراءات حالية أو مستقبلية لن تؤثر على محطة باكس 2 للطاقة النووية التي تبنيها شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة روساتوم، 63 ميلا إلى الجنوب الغربي من بودابست. ووفقا لشركة Kpler، مزود البيانات، فإن روسيا هي ثاني أكبر مورّد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة. وتقول إن الولايات المتحدة، حتى الآن هذا العام، لبت 41 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال، وروسيا 21 بالمئة.

كما أن هذه العقوبات لا تغطي واردات الغاز الروسي المنقول إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب عبر تركيا وأوكرانيا نفسها. وينتهي الكثير من هذا في دول أوروبا الوسطى مثل النمسا، التي تمكنت روسيا في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام من تلبية 80% من احتياجاتها من الغاز، وأيضاً في دول مثل إيطاليا وبلجيكا.

ان الالتزام الكامل بالعقوبات يعني أن الاقتصاد الدولي عموماً سوف يعاني من عقوبات أوروبا على روسيا، وسيتسبب ذلك في أزمة اقتصادية في أميركا ودول أوروبا ذ اتها . ان الالتزام بهذه العقوبات بشكل كامل يعني مزيدا من الارتفاع في أسعار الطاقة، وبالتالي المزيد من التضخم في الأسعار. وهذا يعني مزيدا من رفع الفوائد من قبل المصارف المركزية والتي يمكن ان تهدد الاقتصاد العالمي، وخاصة الأوروبي، بالإنفجار الكامل .

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى