رأي

محور المقاومة بين مقايضة الحلول وإشكالية الدفاع والانتظار:لماذا تأخر الردع الإيراني؟( فرح موسى)

 

أ.د فرح موسى – الحوار نيوز

 

يبدو أن الحرب النفسية قد بلغت ذروتها في كيان العدو،فهو لا يزال ينتظر حمم السياسة الأمريكية أن تنقذه مما دفعته إليه من عدوانية،سواء في بيروت،أو في طهران،أو في الحديدة.

فألاعيب السياسة الأمريكية ستبقى في حالة المراوغة والخداع في خدمة المشروع الصهيوني طالما هي قادرة على ذلك،وقد رأينا كيف أن هذه السياسة منذ طوفان الأقصى،تأتي بكل قواها العسكرية بهدف حماية الكيان الصهيوني،وتثبيت إمكانية الردع لديه.

فإذا كان محور المقاومة قد أخذ على عاتقه نصرة غزة،ومنع العدو من تسجيل الانتصار،فإن ما أقدمت عليه أمريكا من اغتيالات عبر العدو في عواصم محور المقاومة، يثبت مجددًا أن العدو لا يزال يملك قدرة المشاغلة المتعبة للمقاومة،وليس لأحد أن يقول:إن العدو يدفع المنطقة إلى الحرب لتوريط أمريكا في الحرب، لأن هذا القول مدفوعٌ بما جرى من تصفيق في الكونغرس،وفي تبني رواية العدو حول مجزرة مجدل شمس،وجاءت الاغتيالات في بيروت وطهران لتؤكد تنسيق الخطوات باتجاه إيجاد الحلول الحاسمة في معركة غزة،بحيث تكون كل الخطوات محسوبة لصالح العدو وأعوانه المطبّعين في المنطقة.

فإذا كان البعض من الحكام والسياسين يرى بأن أمريكا لا مصلحة لها بالحرب،فهؤلاء تنقصهم الخبرة والدراية بحقيقة المشروع الصهيوني،أو أنهم يعلمون ذلك ويتجاهلونه خدمةً للعدو. فكل شيء محسوب في السياسة الأمريكية.وبما أن العدوان على بيروت وطهران قد حصل بدفع أمريكي،فإن مجيء السفن والبوارج الأمريكية لحماية هذا الكيان،والتهديد لمحور المقاومة يمكن احتسابه في الاستراتيجيا بمثابة إعلان حرب على محور المقاومة.

وهنا يطرح السؤال،ما هي جدوى عودة المفاوضات حول غزة،وظهور مقولة المقايضة إذا كان من مؤدياتها تنفيس الواقع الصهيوني وإنعاشه بعد طول انتظار لعقابه؟..فالإشكالية تكمن هنا،أن إعلان المفاوضات لوقف الحرب في غزة لم تكن له صدقية أمريكية طيلة أشهر الحرب،فهل من ضمانة لإنجاحه في لحظة قصف بيروت وطهران؟ وماذا لو كانت المفاوضة الجديدة والطارئة مجرد مخادعة لإراحة العدو من حالة انتظاره واستنفاره؟وهل لدى محور المقاومة من إجابة حول سؤال،هل البوارج والسفن ستعود أدراجها،أم أنها ستثبت في أماكنها لحين توفر فرصة إعلان الحرب على البرنامج النووي الإيراني؟

لا شك في أنه لم يعد متاحًا لمحور المقاومة أن يواجه بسياسة القطنة. فالعدو اختار طهران نفسها لممارسة عدوانه،وقد أعلنت إيران أنها سترد بما يؤمن الردع اللازم، بحيث لا يكرر العدوان، ولكن ماذا لو تناقضت أولوية إيقاف الحرب في غزة مع أولوية الردع لحماية الأمن القومي،وهذا ما طالعتنا به البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة؟ وكيف يمكن لحبكة السياسة،أو لقطنة الذبح الباردة،أن تجعل تحقق الأولويات ممكنًا؟

فالردع،كما يعرف أهل الاستراتيجيا ينبغي أن يكون سابقًا على تحديد وموعد المفاوضات،وإلا كيف يمكن لسياسة باهتة ضمانة تحقق أولوية وقف النار،أو منع العدو من إعادة الكرة في الاغتيال والعدوان؟

 فأمريكا تناور وتخادع،وإن أدنى حساب انتخابي أمريكيًا يجعلنا أمام معطى الحرب لإبعاد الترامبية عن حكم أمريكا،فالكل يتنافس صهيونيًا ويهوديًا للوصول إلى البيت الأبيض. فإذا لم تكن لدى محور المقاومة عزيمة ردع قوية وثابتة؛ فلا يلبث العدو أن يتنفس الصعداء،مستغًلا أطروحة المفاوضات،وأكذوبة المقايضات المحرجة، للإمعان في سياسة القتل والإجرام في كل مكان.

فالإشكالية تكمن هنا،أننا نريد الردع والاستماع لنصائح عدم التصعيد في آن،رغم أن هؤلاء الذين يدعون إلى عدم التوتر هم شركاء في العدوان وفي الإبادة الجماعية في فلسطين.لقد طنّت آذاننا من مفاوضات مسقط.وكأن أمريكا أو الدول المتحالفة معها يريدون أن تبقى المقاومة في غزة.وهكذا،فإن رؤيتنا تقوم على مبدأ أن الردع وقوته هو الذي يضمن نجاح كل مفاوضة،فلا ينبغي الخطأ في الحساب الاستراتيجي لجهة أن العدو يريد من المفاوضة تنفيس واقعه المأزوم.أما محور المقاومة،فلديه عزيمة وقف الحرب وتحصيل قوة الردع؛ وهذا ما يتطلب،بل يستدعي تقديم أولوية الردع على أولوية المفاوضة أو المقايضة،وقد قلتم،وأعني محور المقاومة:إن أولوية وقف الحرب لا تناقض قوة الردع،فكيف يسمح لأكذوبة أمريكية جديدة إراحة العدو من عقاب الانتظار،لتكون له فرصة العدوان مجددًا.؟

إن سياسة القطنة هنا،هي غير ذات فائدة طالما أن البوارج الأمريكية هي التي تتحدث ،وتحاور،وتعلن موعد الحوارات لوقف الحرب في غزة ،وليكن معلومًا لدينا أن نتانياهو بايدان،هو ذاته نتانياهو ترامب،والكل يتقدّم إلى بلادنا بالحاملات والطائرات،فلا ينخدعنّ أحدٌ بأولويات الأعداء،التي مهما اختلفت تبقى واحدة،وهذا ما ينبغي لحاظه جيدًا في ما يراد اتخاذه من قرارات في محور المقاومة،وخصوصًا بعد تصريح الرئيس الإيراني الأخير في الدوحة،أن المخادعة الأمريكية قد انطلت عليه، وجعلته أسيرًا للوعود الكاذبة.وكأن المسؤول الإيراني لم يسمع بنصيحة الإمام الخميني حين وعظ الأمة،بقوله:”لا تصدّقوا أمريكا حتى ولو كانت صادقة…”.؟وكما تقول الحكمة أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي أبدًا.فإيران تأخرت في ردعها حتى انطوت على خسارة جسيمة في محورها،تمثّلت في قول الولي الخامنئي أن حزنًا قد انتابه لا ينقضي أبدًا .؟والسلام

*رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى