مجانين الحرب وعقلاء السلام (فرح موسى)
بقلم أ. د فرح موسى – الحوار نيوز
منذ انطلاقة طوفان الأقصى،وبعد مرور ما يقرب من سنة على الحرب في غزة، ورغم وجود أزمات وحروب كبرى في العالم،كما هو الحال في أوكرانيا وتايوان،لم نجد انشغالًا في الفكر والسياسة والتحليل،سواء في التكتيك،أو في الاستراتيجيا،إلا في حرب غزة،وكأن كل أزمات العالم وحروبه قد انحصرت لتكون غزة تجسيدًا لها،وتعبيراً عنها .
ولهذا،نلاحظ حشد الجيوس،وجسور الوفود السياسية تزدحم برًا وبحرًا وجوًا،قرعًا لطبول الحرب،وتشوّقًا للنزال على أبواب فلسطين،. فأمريكا تدعم في أوكرانيا وتحشد في الشرق الأوسط.وأوروبا عينها على أوكرانيا وقلبها في الكيان الصهيوني،وإذا سألنا عن السبب في هذا الانشغال العالمي،قالوا إن إسرائيل تحدق بها الأخطار من كل جانب،ولا بد من نصرتها بوصفها وجهًا ناصعًا للحضارة الغربية،وتمثل جوهر المصالح الغربية في الشرق الأوسط.
وقد بان للعالم أجمع،ولكل محاكم الجنايات،أن هذا الكيان يخوض حربًا إجرامية لم يسبق لعالمنا الحديث أن شهد مثلها. وقد عجزت كل المؤسسات الدولية عن وقف الإبادة الجماعية في فلسطين.ثم يقال :يجب إيقاف الحرب،وتحاشي توسعتها في الإقليم والعالم.وهنا يكمن السؤال الجوهري،من هم مجانين الحرب الذين يهيئون العالم للحرب الشاملة؟
فالعالم كله يعلم بحقيقة موقف محور المقاومة،أنه لا يريد الحرب، ويعمل جاهدًا لوقف الحرب في غزة،ويكفي تدليلًا على ذلك،أن الرئيس الأمريكي ومجلس الأمن الدولي قدما مشروعًا لوقف الحرب ورفضه مجلس الحرب في الكيان الصهيوني.
فهذا الكيان،بعد طوفان الأقصى،وعجزه عن الحسم في غزة،أصبح فاقدًا لأهم شروط المفاوضة والحوار،ونعني بذلك الحكمة والتعقل،فهو بات على وعي مطلق بأن خسارته تجاوزت التكتيك والمناورة السياسية،لتكون ضعفًا وعجزًا في الوجود والاستراتيجيا، ما جعله على جنون تام في وعي المصالح والأهداف،ومتعطشًا للمزيد من الدماء لعله يحدث خرقًا ما في موازين الردع المعمول بها في الشرق الأوسط.
فإذا كان العدو عاجزًا في غزة،وتحيط به المقاومة من كل اتجاه،من ظاهر الأرض ومن بطنها،فكيف له أن يقبل بوقف الحرب بكل ما يعنيه ذلك من قبول للهزيمة الوجودية،وفقدان للردع الاستراتيجي؟ فمحور المقاومة رغم استعداداته للحرب ،وقدرته على خوضها،هو يتعقل تمامًا معنى تفويت الفرصة على العدو في سعيه الحثيث للحرب الشاملة،فهذا العدو هو الذي يغتال في طهران وبيروت،وفي كل مكان، طلبًا لهذه الحرب،وتوريطًا للغرب فيها لأنقاذ وجوده، بحيث تتغيّر وجهة الأحداث،لتكون أكثر ملاءمة لمشروعه التوسعي التوراتي.
فالمقاومة تدعم طوفان الأقصى، بما هو حق فلسطيني،ولا تدعم توسعًا للحرب،لا لعدم قدرتها على ذلك،وإنما لكونها تحقق الانتصار في تثقيل الأعباء على الكيان الصهيوني،لجعله أكثر قلقًا،وأعجز ردعًا عن أن تكون له اليد الطولى في ممارسة العدوانية.وإذا كان الغرب يتحشّد في البحار دعمًا لهذا الكيان،وتخفيفًا للأعباء الردعية عنه ،فهو إنما يفعل ذلك بدافعية عدم الرغبة في الحرب أيضًا،كونه يتفاعل مع أزمات المنطقة،ومع العدو تحديدًا بضغوط انتخابية هائلة،وهذا ما يجعله مضطرًا لإظهار تعبيرات الحرب دون التورط فيها،وهذا ما يجعل العدو الصهيوني أكثر ارتباكًا وجنونية في التعامل مع الأحداث،فهو لا يريد من الغرب حمايةً ردعية وحسب،بل يسعى إلى مزيد من التورط لاعتقاده الجازم أن تحولات العالم وأزماته،سواء في أوكرانيا،أو في بحر الصين،يمكن لها أن تصرف الغرب عنه،فيصبح وحيدًا مع أزماته الشرق أوسطية،وهذا من شأنه،فيما لو حصل،أن يجعل محور المقاومة منتصرًا من دون حرب، وذلك لما هو عليه من إحاطة وإمساك بكل تحولات المنطقة.
وبناء على ذلك،فإن جنون العدو باتجاه الحرب الشاملة له ما يسوّغه، بنظره، قبل أن ينشغل العالم عنه.فإذا كانت السفن والبوارج اليوم تشكّل له ضمانةً ردعيةً،فمن يكون له غدًا حينما تنشغل هذه البوارج في أمكنة أخرى،ونزاعات أكثر حيوية للغرب.؟فالعدو هو الذي يعمل للحرب الشاملة،وبقدر ما يُظهر هو الجنون والإجرام، بقدر ما يُظهر محور المقاومة من حكمة وتعقل في استيعاب الأحداث رغم كل ما تنطوي عليه من مخاطر.
إن إلحاح العدو على الحرب،وعدم سماعه لأصوات العقل،ناشىءُ عن كونه مشغولًا بهموم وتداعيات المستقبل على وجوده،وأمريكا تعي جيدًا مخاطر الانزلاق إلى الحرب الشاملة في ظل ما يتربّص بها من أحداث عالمية،فهي تعطي العدو لقاحات ردعية لمكاسب انتخابية،ثم تفاوض استراتيجيًا لحماية مصالحها،ولسنا ندري ما إذا كان جنون العدو بكل ما هو مسكون به استراتيجيًا،سيأخذ الغرب المستعمر إلى حيث لا مصلحة له،بحيث تكون هناك حرب غير متوقعة،ويكفي محور المقاومة تعقلًا أنه كان ولا يزال يبحث عن الوسائل الممكنة والمتاحة لجعل هزيمة هذا الكيان متحققة فعلًا من خلال فرقة موسيقية؟
إن سقوط الغرب في أزماته الوجودية يمكن أن يترتّب عليه ترهل صهيوني في مقابل ما يمكن أن يتحقق لمحور المقاومة من عوامل القوة.وهذا ما نرى أن العدو يخشاه في مستقبل التحولات العالمية،فإذا كان العدو اليوم يعقد الآمال على وفرة السفن في البحار،فماذا سيكون عليه حاله حين يرى أن البحار قد فرغت من وهم القوة وسفن الرهبة،فكل شيء في هذا الكيان بعد طوفان الأقصى بات مسكونًا بالجنون ،ولهذا هو يتخبّط بنفسه في كل شؤونه دون حكمة أو تعقل،وكما تقول الحكمة اليونانية:”إذا خلت الحياة من الحكمة فلا مناص من أن نستمع إلى الهذيان.”.والسلام.