الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
كيف للخيال التوراتي في “اسرائيل”، وحيث الرب من يقود الجنود، أن يستوعب ما حدث وما يحدث في غزة وفي الجليل وفي الجامعات الأميركية، وحتى في شوارع نيويورك ولندن وباريس وبرلين؟ ذاك الحلم الميثولوجي بإقامة “اسرائيل العظمى” في الشرق الأوسط، كبديل إلهي عن الإمبراطوريات الأخرى، وقد تحطم تحت أقدام المقاومين في فلسطين ولبنان.
ليست أميركا وحدها تشعر أن مصالحها تزعزعت، الغرب كله. البلدان الأوروبية، ومنذ حملة نابليون على مصر عام 1798، مرورا بوجود الفيكونت كليمنت بالمرستون (وكان ممثلاً كوميدياً في مقاهي لندن) في 10 داوننغ ستريت، كانت تراهن على اليهود بالذات ليكونوا وكلاءها في منطقة لا تقع فقط على خط الزلازل، وانما تقع أيضاً على… خط الآلهة.
نذكر لماذا قرر ايهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000. صحيفة “هاآرتس” سألت “الى متى تتشح أمهاتنا بالحداد”؟ أم كل جندي كانت تتوجس من الطرقات على الباب لترى ضابطاً يبلغها بوجه متجهم، أن جثة ابنها تنتظر في الخارج. والد أحد الجنود قال “لم يأمر الرب بأن نعيد بناء الهيكل بعظام أبنائنا”، بعدما كان الرهان على أن يعاد بناؤه بعظام الآخرين (الغوييم).”الحاخام” مئير كاهانا اعترض “هل تعلمون ما ستكون عليه ردة فعل يهوه إذا بنينا الهيكل بعظام الحيوانات”. هذه الفوقية الايديولوجية البشعة في العقل “الاسرائيلي”.
ردنا على ذلك، كان تعليق “اسرائيل اليوم” غداة طوفان الأقصى “مَن غير نصرالله يصنع هذا النوع من الذئاب”؟ ثم “لكأنهم خرجوا من قبورهم ليقاتلونا”.
إذا لم تكن هناك “اسرائيل العظمى” لن تكون هناك أي “اسرائيل” أخرى. هذا كان رأي آرييل شارون. ورثته لم يأخذوا الأمثولة من وقوعه في الغيبوبة بسبب سلسلة الصدمات في لبنان، وقد حملت مناحيم بيغن على أن يلتف ببطانية الصوف بانتظار النهاية.
بلهجة من ينعى الدولة العبرية، قال موشيه هالبرتال، استاذ الفلسفة (“الاسرائيلي”) في جامعة نيويورك لم يعد “الاسرائيليون” مثلما كانوا، ولم يعد الفلسطينيون مثلما كانوا”. كيف لأولئك الذين يقضون أياماً دون قطرة ماء أن يقاوموا الأرمادا العسكرية “الاسرائيلية على مدى تلك الأشهر الهائلة”؟ اعتراف علني بأن الأسطورة الفلسطينية حلت محل “الأسطورة الاسرائيلية”. لاحظوا مدى التخلخل البنيوي (والسيكولوجي) في المؤسسة العسكرية.
لا نتوقع تغيراً دراماتيكياً في الاستراتيجية الأميركية، وقد حذّر وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس من “أن تكون قد بدأت في استهلاك نفسها” لاعتمادها غالباً على حلفاء “يشبهون الجدران المهدمة”، متوقعاً حصول تغيّرات زلزالية في الشرق الأوسط، على أمل أن تستوعب القمة العربية في البحرين الواقع الذي أنتجته تطورات الأرض، لتخرج من تلك العباءة الرثة التي تدعى “المبادرة الديبلوماسية العربية” التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، وكانت أقرب ما يكون الى الفضيحة الديبلوماسية. كتبنا آنذاك عن… العار الديبلوماسي.
ترانا نضرب عصانا في الخيال الآخر (ولا نقول الخيال القرآني مقابل الخيال التوراتي)، ونتوقع أن تحدث هزة ما في العقل العربي على وقع البطولات على أرض غزة؟ ماذا إذا بقي العرب على اجترارهم للماضي؟ ما تخوف منه المفكر المصري الشهير جمال حمدان لكوننا مصابين بما دعاه “الاعتلال الفلسفي في قراءة العالم”. ما نتيجة ذلك؟ “لن نحفر القبور للغزاة وانما لأنفسنا”.
الاساطيل الأميركية التي تختال على شواطئنا ليست هنا من أجلنا. اسألوا الجنرال مايكل كوريلا لماذا هو على أرضنا؟ الجنرال الذي عرف كل اشكال الحروب، ومن بنما الى العراق مروراً بأفغانستان وهايتي والبوسنة والهرسك وكوسوفو، يدرك جيداً أن مهمته باتت أكثر تعقيداً، بعدما لاحظ كيف تهتز القلعة الأميركية في الشرق الأوسط. استطراداً، كيف يهتز الوجود الأميركي. ماذا عن السكان الأصليين أي العرب؟
جمال حمدان الذي كان على بيّنة من نوعية الأدمغة التي تتولى ادارة القارة العربية، توقع أن “يكون مصيرنا مصير الهنود الحمر إذا لم نلق بسيوفنا الصدئة وبأفكارنا الصدئة جانباً، ونعيد النظر في علاقتنا مع الأرض (عبقرية المكان) ومع المستقبل (عبقرية الزمان)”.
على أمل أن يكون دخول الحكام العرب الى القاعة التي تلتئم فيها القمة الدخول الى القرن، كيلا ندع محمد الماغوط يذكّرنا من قبره، بأننا ندخل الى العصر مثلما تدخل الذبابة الى قصر الملك…