ما هو مستقبل السعودية ودول الخليج بلا نفط؟
محمد صادق الحسيني
عندما قررت الدول الاوروبيه سنة ٢٠٠٣ ، وبضغط اميركي ، إطلاق مبادرة لانشاء خط انابيب غاز ، منافس لخطوط الغاز الروسيه ،التي تزود أوروبا بالغاز ، وقامت ، سنة ٢٠٠٤ بتأسيس شركة أوروبية ، لتنفيذ هذا المشروع ، أسمتها : Nabucco Gas Pipeline international ، وسجلتها في النمسا كشركه مساهمة نمساويه ، بمشاركة كل من النمسا وألمانيا والمجر وبلغاريا ورومانيا وتركيا ، لم يكن النظام السعودي يدرك ان هذه الخطوة هي حجر الاساس في انهيار مملكة آل سعود وباقي مشيخات النفط الخليجيه .
فعلى الرغم من ان هدف المشروع الاستراتيجي تمثل في محاولة امريكيه لتوجيه ضربة لسوق الغاز الروسي ، ضمن محاولات واشنطن إضعاف النفوذ الروسي في القارة الاوروبيه ، فان جهات التمويل الخفيه لهذا المشروع العملاق ، أوروبية واميركية ، قد هدفت الى تحقيق الهيمنة التامة ، ليس فقط على جزء من أسواق الطاقه / الغاز / الاوروبيه ، وانما على مصادر الغاز الطبيعي ايضاً . وذلك عن طريق دمج كل من تركمنستان وكازاخستان وأذربيجان وايران والعراق وسورية وكذلك مصر واسرائيل في هذا المشروع ، وهي دول تملك احتياطات كبرى من الغاز .
شكلت سورية وايران مشكلة أساسيه وعقبة كأداء في وجه تنفيذ هذا المشروع وذلك لرفضهما المشاركة في تنفيذ ما اعتبروه مشروعا هيمنيا واستعماريا، و كذلك لكونه مؤامرة تستهدف الحاق الأذى بالدولة الصديقة لهما ، وهي روسيا ، فكان لا بد من البدء بالعمل على ترويض الدولتين تمهيداً لعملية الدمج .
وهو ما تطلب اولاً احداث ما عرف بفتنة العام ٢٠٠٩ ، الشهيرة التي اعقبت انتخابات الرئاسة الايرانية والتي أفرزت جدلاً واسعاً حول نتائجها ، فعملت القوى الاستعمارية على تصعيد الوضع الداخلي الايراني لعل ذلك يؤدي الى اسقاط النظام كما كانوا يتمنون وتزول العقبه الأهم في طريق تنفيذ المشروع ، بحجمه الكامل .
لكن حكمة القياده الايرانيه والالتفاف الشعبي حولها قد اسقطا تلك المحاوله ، الامر الذي عجل بدفع القوى الاستعماريه ( القوى الخفيه التي موّلت بدايات المشروع ) ، بتكليف قطر بتولي موضوع فك الارتباط بين الدولة السوريه والجمهوريه الاسلاميه في ايران ، حيث قام امير قطر آنذاك ، حمد بن خليفه ، بزيارة لدمشق والتقى الرئيس بشار الأسد في صيف عام ٢٠١٠ ، وعرض عليه تقديم مساعدات ماليه ، تصل الى ١٥٠ مليار دولار ، مقابل فك ارتباط سورية مع ايران والموافقة على الدخول في مشروع انابيب نابوكو ، المذكور اعلاه .
ولكن رفض القيادة السوريه المطلق لتلك المؤامره أدى بمديريها الى الانتقال للمرحلة الثانيه منها ، الا وهي معاقبة الدولة الوطنية السوريه على رفضها هذا ، واشعال فتنة داخليه تمهيداً لشن الحرب العالمية المعروفة ضدها . وقد قامت مشيخة قطر ، وفِي اطار الدور الذي كلفت به كما أشرنا اعلاه ، ومنذ شهر ايلول ٢٠١٠ باطلاق عملية تسليح واسع لعناصر خارجة عن القانون في سورية . كما أرفقت عمليات التسليح بعملية تمويل وشراء ذمم واسعة النطاق في الداخل السوري . وبحلول نهاية عام ٢٠١٠ كانت قطر ، وبمساعدة مخابرات دول عربيه اخرى ، قد ادخلت الى سورية ما يكفي لتسليح فرقة عسكريه كامله ( ١٨٠٠ جندي ) الى جانب ٥٠٠ مليون دولار ، دفعت لشراء ذمم مجموعات كبيره من ضعفاء النفوس ، الذين شاركوا في تحريك الفتنه .
وقد اعترف شيخ قطر ، خلال زيارته لايران ولقائه الرئيس محمود احمدي نجاد ، وخلال تصريح صحفي يوم ٢٦/٨/٢٠١١ ، بانه " قدم النصح للاخوه في سورية بالتوجه نحو التغيير " . وتابع قائلاً : " ان الشعب السوري لن يتراجع عن انتفاضته…" .
وكما هي غلطة ذاك الامير القطري ، سنة ٢٠١١ ، فها هو اليوم محمد بن سلمان وعلى سيرة من سبقوه من ملوك آل سعود ، يخطئون في تقييم الدول التاريخيه ، مثل روسيا وسورية وايران ، ويسقطون سقطات مميته . فبعد فشل مشروع اسقاط الدوله السوريه وتفتيت محور المقاومه ، ها هو بن سلمان يدخل حرباً جديدة ، بعد جريمة حرب اليمن ، وهي حرب أسعار النفط ، مع الدولة العظمى روسيا الاتحاديه ، التي لا قدرة لديه على حتى مناكفتها . علماً ان سياسته هذه قد أسست ، فعلياً وموضوعياً ، لسقوط مملكة آل سعود وانهيارها من الداخل .
ولأسباب محددة وواضحة ، نورد أهمها ، للإضاءة على عوامل داخلية واقليمية ودوليه في هذا السياق :
1. ان دخول اي معركة حول النفط سيؤدي الى خسارة محتمة وذلك لانعدام القيمة السوقية للنفط في العالم وهو الامر الذي يميِّز روسيا عن مملكة آل سعود ، حيث تعتمد الموازنة الروسية بنسبة ١٦٪ فقط على عائدات النفط بينما يعتمد بن سلمان بنسبة ٩٥ ٪ على عائدات النفط .
2. ان مستقبل قطاع الطاقه في العالم سيكون قائماً على الغاز ، الطبيعي والمسال ، وذلك لأسباب بيئية واقتصاديه . وهذا هو السبب الذي دعا روسيا ، وقبيل بدء العشريه الثانيه من هذا القرن ، بالعمل على افشال مشروع انابيب نابوكو للغاز ، الذي كان يفترض ان يضارب على الغاز الروسي في الاسواق الاوروبيه ، اذ قامت روسيا بعدة خطوات استراتيجية أهمها :
•شراء كامل مخزون الغاز الذي تملكه جمهورية تركمنستان ، التي تملك ثاني اكبر احتياط غاز في العالم بعد روسيا، والبدء بانشاء خط انابيب غاز باتجاه الشرق ، من غالكينيش ( Galkynysh ) ، في بحر قزوين ، الى هرات ثم قندهار في افغانستان ، ومن هناك الى كويتا ( Quetta ) ومولتان ( Multan ) في باكستان ، وصولًا الى فازيلكا ( Fazilka ) في الهند . وهو ما يعتبر خطوة هامه على طريق تحقيق المشروع الصيني العملاق حزام واحد / طريق واحد .
•قيام روسيا بتنفيذ مشروعين استراتيجيين ، في قطاع الغاز ، هما مشروع السيل التركي مع تركيا والسيل الشمالي مع المانيا . وهما مشروعان يعززان الحضور الروسي في قطاع الغاز ، وبالتالي قطاع الطاقه بشكل عام ، في أوروبا والعالم .
•مواصلة روسيا تقديم الدعم السياسي الضروري لجمهورية ايران الاسلاميه ، للمحافظة على قاعدة التعاون الصلبة بين البلدين ، وكذلك الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للجمهوريه العربيه السوريه ، منعاً لسيطرة الولايات المتحده واذنابها عليها ، وتمهيداً لانشاء سيل غاز روسي ايراني عراقي سوري ( لدى سورية احتياط غاز هائل في القطاع البحري المقابل لسواحل اللاذقيه طرطوس ) جديد ، لضخ الغاز من السواحل السوريه ، عبر اليونان ، الى أوروبا مستقبلاً .
3. اما عن اسباب الدور المتصاعد للغاز في أسواق الطاقه الدوليه فيعود الى ثبوت عدم إمكانية الاستمرار في الاعتماد على النفط ، سواءً في تشغيل وسائل النقل الجويه والبريه والبحريه او في تشغيل محطات توليد الطاقه الكهربائية . يضاف الى ذلك فشل مشروع التحول الى السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائيه وذلك بسبب استحالة التخلص من بطاريات الليثيوم بطريقة غير ضارة بالبيئة . وهذا يعني ان من يمتلك الغاز هو من يمتلك المستقبل ، في عملية التطور الصناعي والتجاري ، وبالتالي المشاركه في قيادة العالم ، وليس من يغرق الاسواق بالنفط كما يظن بن سلمان ذلك النفط الذي لم يعد يهتم به احد ولم يعد له اي قيمة مباشرة ، علاوة على فقدانه قيمته كسلعة استراتيجيه .
4. وبناءً على ما تقدم فانه يجب طرح السؤال ، حول مستقبل السعوديه بلا نفط . ففي ظل استمرار هبوط أسعار النفط واستمرار تآكل ارصدة الصندوق السيادي السعودي ، الذي كان رصيده ٧٣٢ مليار دولار ، عندما استلم الملك سلمان وابنه محمد الحكم بتاريخ ٢٣/١/٢٠١٥ ، وتراجع هذا الرصيد بمقدار ٢٣٣ مليار دولار خلال السنوات الماضيه ، حسب بيانات مؤسسة النقد السعوديه الرسميه ، نتيجة لعبث بن سلمان بأموال وأرزاق الأجيال السعوديه القادمه ، وفي ظل عدم وجود بديل للنفط لتمويل الموازنة السعوديه السنويه ، الامر الذي دفع البنك الدولي الاعلان عن ان دول الخليج ، وليس السعودية فقط ، ستتحول الى دول مفلسة بحلول سنة ٢٠٣٤ . البنك الدولي الذي عاد واستدرك تقريره مؤكدا قبل ايام بان هذا الموعد سيحل قبل العام ٢٠٣٤ بكثير وذلك لان المحافظة على مستوى الحياة الحالي في السعوديه لا يمكن تأمينه بأسعار نفط تقل عن ٦٥ دولار للبرميل . وهذا عدا عن ان ارصدة الصندوق السيادي السعودي ( بقي منها ٤٩٩ مليار فقط ، بينما يبلغ رصيد صندوق الامارات السيادي ترليون ومائتين وثلاثين مليار دولار ) ، المشار اليها اعلاه ، لن تكون كافية ، بالمطلق ، لتأمين استثمارات تدر على الدولة السعودية من المال ما يكفي لتمويل الموازنه السنويه .
5. وعندما يقول الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست ، في مقال له نشره على موقع ميدل ايست آي بتاريخ ٢٢/٤/٢٠٢٠ ، يقول انه وبالرغم من المرسوم الملكي السعودي حول ان الحكومة السعوديه ستدفع ٦٠ ٪ من معاشات الموظفين ، طوال فترة الإغلاق التي تطبقها البلاد في ظل كورونا ، الا ان موظفي مؤسسة الاتصالات السعوديه لا يتقاضون سوى ١٩٪ فقط من مستحقاتهم ، كما ابلغوني ، يقول الكاتب .
والى جانب ذلك فان وزارة الصحة السعوديه ، التي حوّلت عدداً من الفنادق الى مراكز صحية لمعالجة المصابين بوباء الكورونا ، لم تكتف بعدم دفع اية مستحقات لأصحاب تلك الفنادق فحسب ، بل طلبت منهم تحمل تكاليف عمليات التعقيم والتطهير لفنادقهم قبل تسليمها لوزارة الصحه .
6. اما ما يعزز أقوال الصحفي البريطاني ، ديفيد هيرست ، الشهير بالموضوعية والمهنية الصحفيه ، فهو ما نشرته وكالة بلومبيرغ ، حول تقرير للبنك الدولي نهاية العام الماضي ٢٠١٩ ، جاء فيه ان جميع احتياطات السعوديه النقديه ، سواء ارصدة الصندوق السيادي او البنك المركزي السعودي او مبلغ المائه وثلاثة وثمانين مليار دولار ، الذي تحتفظ به السعوديه في وزارة الخزانة الاميركيه ، لن تكون كافية ، سنة ٢٠٢٤ ، سوى لتغطية المستوردات السعوديه لمدة خمسة أشهر فقط ، هذا اذا ما تراوح سعر برميل النفط بين ٥٠- ٥٥ دولار ، كما يقول الكاتب ديفيد فيكلينغ ( David Fickling ) ، في مقال له على موقع وكالة بلومبيرغ الالكتروني بعنوان : إن تراجع وسقوط امبراطورية النفط في الخليج بات يقترب / او يلوح في الأفق .
7. وهذا يعني ، وبكل موضوعية ، ودون تحيُّز ان حرب اسعار النفط ، الدائره حالياً ، والتي أشعلها محمد بن سلمان ، لن تنقذه من مصيره المحتوم ، وكذلك بقية دول الخليج النفطية ، ولو بشكل متفاوت ، لان احتياطاتها النقديه سوف تواصل التآكل ، مع اضطرار الحكومات المعنيه لمواصلة السحب منها ، لتغطية عجز الموازنات السنويه الناجم عن تدهور اسعار النفط وتراجع المداخيل الماليه . هذا الى جانب ان تلك الصناديق او الاموال الاحتياطية لم تستثمر في مجالات تدر ارباحاً عالية لتكون قادرة على تغطية نفقات الدوله صاحبة الاموال ، في حال انهيار اسعار النفط او نضوبه . اي ان تلك الدول ولأسباب سوء الاداره الاستثماريه قد فشلت في الاستفادة من تلك الاموال وتحويلها الى شبكة أمان لمستقبل أجيالها القادمه .
وهو الامر الذي سيؤدي حتمًا الى انهيار ثروات دول الخليج ، واضطرار حكوماتها الى فرض ضرائب عالية على مواطنيها ، وبالتالي حرمانهم من مستوى الحياة التي عاشوها حتى الآن ، مما سيسفر عن زلازل اجتماعية ، لا قدرة لحكومات تلك الدول على احتوائها ، وبالتالي فان نتيجتها الحتمية ستكون انهيار تلك الحكومات والدول وزوالها من الوجود ، وهو الامر الذي لن يأسف عليه حتى صانعي تلك المحميات ، من الدول الاستعمارية الغربيه ، وذلك لانتهاء الحاجه لوجود الدول الوظيفيه في المنطقه ، ومن بينها الكيان الصهيوني ، ذلك لان مبررات وجود تلك الدول ، مثل النفط والقواعد العسكريه ، قد انتهت لاسباب عديده ، ليس هنا مقام التوسع فيها ، بينما يكفي القول ان نهاية انتشار وباء الكورونا سيشكل ايضاً نقطة النهايه لسياسة الهيمنة الاحادية القطبيه على العالم ، ما سيضطر جميع الدول الغربيه ، دون استثناء ، الى سحب قواعدها من دول المنطقه وترك شعوب المنطقه تقرر مصيرها بنفسها وتقيم نظاماً امنياً اقليمياً ، يضمن استقرارها واستكمال تحررها ، في اطار النظام الدولي الجديد المرتقب ، والذي لن يكون فيه مكان لقوى الاستعمار التي نعرفها .
عالم ينهار
عالم ينهض