ما هو مدى دستورية الحوار في ظل خلو سدة الرئاسة؟ (حكمت مصلح)
د.حكمت مصلح – الحوارنيوز
بمبادرة من الرئيس نبيه بري بقصد انهاء حالة الفراغ في سدة الرئاسة، دعا دولته الى الحوار الوطني الجامع، وأخذ
عليه البعض عدم دستورية مثل هذا الحوار، وذلك لعدم وجود رئيس جمهورية يديره .
وحتى ننطلق الى تناول الموضوع بشكل عام يجب تقسيم المعطيات وفق ما يلي :
أولا : ماهو موقع النائب ودوره في الدستور اللبناني ؟
ثانيا : ما هو دور رئيس مجلس النواب وأثره على ادارة السياسة والحوار ؟
1 – في موقع النائب وفق نصوص الدستور :
حددت المادة 27 من الدستورموقع النائب، فنصت على ان عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ،ولا يجوز أن ترتبط وكالته بقيد أو شرط من قبل ناخبيه. فالنائب مستقل بعمله عن كل معطى ضيق ، وهو يمثل الشعب اللبناني بأسره وليس منطقة أو طائفة أو فئة أو حزب، بل عمله لكل لبنان، وهذا الأمر يجسد مبدأ سيادة الشعب التي نصت عليه مقدمة الدستور وتحديدا في الفقرة دال (الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية ) .
وهنا تكمن مدى قدرة رئيس مجلس النواب بصفتيه، كنائب عن ناخبيه وكرئيس لمجلس النواب، في ادارة الحوار الوطني .فنص المادة 27 من الدستور يحدد موقع رئيس مجلس النواب كنائب يمثل الأمة جمعاء .
أما المعطى الدستوري الأهم فنجده في نص مقدمة الدستور (الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة) ولكن ممارسة هذه السيادة والسلطة لا يمكن أن تكون الا من خلال المؤسسات . ويعد مجلس النواب أعلى سلطة منتخبة من قبل الشعب اللبناني .وبالتالي تولي رئيس أعلى سلطة منتخبة من الشعب يعني ضمنا تبني الارادة الشعبية لذلك الحوار .
ثانيا : في السياسة والواقع :
لم يكن لبنان عبر مراحله التاريخية الا وطنا يلتقي فيه أبناؤه على حل كل أزمة، وفي مواجهة كل خطر، من مؤتمر السمقانية الذي حدد هوية واسم أمير لبنان الذي سوف يخلف آخر الأمراء المعنيين أحمد المعني لتبدأ مرحلة الامارة الشهابية ، وصولا الى اجتماع الدول الاوروبية لاحتواء الفتنة المتنقلة في جبل لبنان بين الدروز والموارنة الذي نتج عنه نظام القائمقاميتين عام 1841 ،على أن ذلك النظام انفجر بيد العثمانيين واللبنانيين بسبب التدخلات الأجنبية، ما أدى الى حرب 1860 ،وبعد الاجتماع مجددا من قبل الدول الأوروبية مع الدولة العثمانية، توافق الجميع على انشاء ما عرف بمتصرفية جبل لبنان التي استمرت حتى خروج العثمانيين من لبنان وانعقاد مؤتمر الصلح الذي وصل اليه من لبنان نجح أحدها في اقناع الحلفاء بانشاء دولة لبنان الكبير عام 1920 .
على أن انطلاقة لبنان المعاصرة كانت مع ميثاق 1943 الذي يعد لقاء اسلاميا مسيحيا حول عدم الولاء للشرق ولا للغرب، بل لوطن واحد هو لبنان . لكن الميثاق عصفت به عدة رياح محلية ودولية فانفجر لبنان من جديد عام 1975 في حرب أهلية أنهاها اتفاق الطائف الذي كان بارادة وطنية عربية ودولية . على أنه بعد 2005 تعذر انتخاب رئيس فتوجه الجميع الى الدوحة عام 2008 .
بعد هذا السرد للمؤتمرات التاأسيسية الكبرى التي مرت على لبان نسأل :أليس أحق لأهل البيت حل خلافاتهم ؟
لقد وجدنا كل حل يولد أزمة، لأنه لم يكن وطنيا بحتا باستثناء ميثاق 1943 الذي شوه في التطبيق. وما دعوة الرئيس بري رئيس مجلس النواب الى الحوار الا هي دعوة وطنية من أعلى مؤسسة دستورية تمثل فيها الارادة الشعبية .
فعلى أهل السياسة ترك تجاذباتهم والتوجه الى انتخاب رئيس للجمهورية وفق الحوار الوطني الذي يدعى اليه الجميع . وهذا الحوار للمتخوفين منه نقول : لن يقرر قواعد دستورية ، ودولته أحرص الناس على الدستور ، انما يوصل الى تفاهمات كبرى أولها حل عقدة الرئاسة الأولى، خصوصا أن المسعى يهدف الى استمرار المؤسسات الدستورية في الدولة وتقريب وجهات النظر حول المواضيع الخلافية الكبرى .وبالتالي الواقع الدستوري والسياسي يدعو كل صاحب ضمير الى الحوار وانقاذ البلاد والعباد في ظل أمن مهدد وااقتصاد منهار.
* باحث و دكتور في القانون الدستوري