ما لمْ يُسْرَق كُلُّهّ لَنْ يُتْرَك جُلُّهُ..
حيّان سليم حيدر
من سلسلة "ما قلّ وذلّ".
مبروك للبنانيّين. أخيرًا، أقرّت السلطات "العليا" قانون إنشاء:
"الهيئة الناظمة لإدارة "ما لَمْ يُسْرَق كُلُّهُ.. لَنْ يُتْرَك جُلُّهُ" "
بعد طول إنتظار وبكبير الترحيب وكثير الترغيب (مع بعض الترهيب مصحوب بالنحيب) صدر هذا القانون-الحاجة ونُشِر في مطبعة التبريرات.
وتنفيسًا للصُعَداء، أم هو للسُعَداء، جاء ذلك إستجابة مباشرة وحتمية لما آلت إليه التحقيقات المالية الجنائية والجزائية ونتيجة لها، والتي سبق لنا ودمجناها لغويًّا كي تُخْتَصَر في كلمة الجنائزية التي تُعَبّر بصراحة أفصح عن الوضعين القائم والآتي.
وعليه، نكون قد قَوْنَنّا ما ذهب وشرعنّا ما هو ذاهب، لا محال، كما ونطمئنكم أنّه لن تكون هناك من مناكفات طائفية ونكد ميثاقي حول التعيينات لأنّ كلّ الأطراف والأطياف والجهات و"المكونات" موجودة وممثلة أساسًا هناك وهي محصنة بالأتباع وبعِدّة الشغل.
لقد جاء كلّ هذا على ضوء الأرقام الفَلكيّة التي واجهت اللبنانيّين وفي صدارتها رقم الخسارة العامة الذي وضعه فريق أول عند 241 تريلّيون ليرة (1) فوضعه فريق ثانٍ في مرمى 70 ، بهامش خطأ "بسيط" قيل، ممّا أوجب تدخّل سريع لفريق ثالث للتوفيق فيما بين الرقمين (أم هو الفريقين؟) بتسويته، الرقم، على 140، وهل سمعتم عن الإختراع الجديد الذي إسمه "تسوية لأرقام ثابتة" ؟
وقبل فجر موعد مصالحة الأرقام، بزغت الشمس (طالما نحن في الفلك) كاشفة أنّه لا توجد قيود موثّقة في المالية العامة للدولة اللبنانية وذلك لفترة ربع قرن مضا وهذا فيما يعود إلى نحو 150 مليار دولار (يا هَوْلي، كمْ من التريلّيونات) لم تتمكّن مطبعة التبريرات من إحصائها وإصدارها، أي بكلّ بساطة، هذا المبلغ لا نعرف أين ذهب ومَنْ أذْهَبَه ولأيّ سبب.
وإزاء هذا الوضع "السايب" كان بيت الشعر الشهير:
" ما كلّ ما سَرَقْتَهُ تَصْرُفُهُ تجني الرياحُ ما لا تَحْتَويهِ الخُزُنُ "(*)
(*) مع الإعتذار عن كسر الأوزان وعملًا بقاعدة: يحقّ للشاعر ما لا يحقّ ل… فكان ما عُرِفَ بالإقواء، ليصبح هنا مع حالتنا: ويحقّ للسارق ما لا يحقّ ل… فكان ما صُرِفَ بالإستقواء.
ويطيب لي أن أختم بقول للمسرحي والممثل الهزلي الأميركي ويل روجرز (Will Rogers):
"أنا لا أخترع النُكاتْ، أنا فقط أراقب أعمال الحكومة وأنقل المعلومات".
تصبحون على أرقام … مُدَقّقة.
بيروت، في 30 تشرين الأول 2020م.
(1) والتريلّيون هو جُرْم جديد عُثِرَ عليه في محيط مَجَرّة المُشْتري وقد بقي المُشْترِي مجهولًا، ولا علاقة للجُرْم هذا بالجريمة التي نُعالج في لبنان.. على كوكب الأرض.