ما قبل اغتيال سليماني وما بعده:المواجهة مستمرة ..والعين على عودة داعش
في الثامن من اب/ اغسطس ٢٠١٩ نشرت صحيفة "بزنس انسايدر" الاميركية مقالا حول تقرير مفتش العمليات في وزارة الدفاع الاميركية المحال الى الكونغرس. يتضمن التقرير معلومات حول وجود ما بين ١٤ و١٨ الف عنصر من داعش في سوريا والعراق . يعتبر مفتش العمليات ان قرار الرئيس ترامب بالانسحاب السريع من سوريا وتخفيض عدد الدبلوماسيين يسرع في اعادة تنظيم داعش .
ووردت معلومات في مجلة "فورين" تقارير ان هناك ١١ الف سجين لداعش في سجون "قسد"(قوات سوريا الديموقراطية- الكردية) من بينهم نحو ألفين من أوروبا والباقون من سوريا والعراق ودول الخليج وشمال أفريقيا .
منذ اب ٢٠١٩ بدأت مواقع الحشد الشعبي العراقي، وهو القوة الأساسية التي حاربت داعش بثبات وعزم وقدمت تضحيات كبيرة للقضاءعلى داعش،تتعرض لقصف جوي مجهول ما اذا كان من طائرات حربية او من طائرات من دون طيار ،وقيل وقتها ان هذه الطائرات اسرائيلية من دون إثبات او اعلان اسرائيلي واضح .
تكررت أعمال قصف مواقع الحشد الشعبي وأفيد عن تدمير عتاد عسكري وتحقيق إصابات بين العناصر . يبدو ان الحشد اتخذ احتياطاته في التمركز والتحصين وإخفاء القوات والعتاد . كما تحركت وحدات من الحشد الى الحدود مع سوريا واشتبكت في مناسبات عديدة مع متسللين من داعش من سوريا باتجاه محافظة الأنبار . تكررت الاشتباكات مع داعش وأعلن الحشد "صد هجمات "لداعش في ديالى والأنبار ، ما يعني ان هناك تواجدا لداعش وتنظيما لوحدات تشن هجمات وتنسحب.
في سوريا تراقب الحكومة السورية والحليف الروسي داعش في الجزيرة ومنطقة قسد ،وحشد الجيش لهذه الغاية قوات في دير الزور كما وصلت مفارز روسية الى المنطقة . في العراق انتشرت وحدات الحشد الشعبي على الجبهة الغربية مع سوريا في محافظتي نينوى والأنبار .
في ٢٨ كانون الأول ديسمبر أعلنت الولايات المتحدة سقوط صواريخ على قاعدة K1 قرب كركوك شمال العراق ،ما ادى الى مقتل متعاقد مدني وجرح بعض العسكريين . لم توضح وزارة الدفاع الاميركية هوية المتعاقد. سارعت الولايات المتحدة الى قصف جوي عنيف على قواعد الحشد الشعبي واستهدفت ثلاث في الأنبار داخل العراق واثنتين في سوريا منطقة البوكمال . الاختيار الجغرافي لهذه القواعد يكشف نية القيادة العسكرية الاميركية في اضعاف القدرات القتالية للقوات العسكرية التي تقاتل داعش ،اي قوات الحشد الشعبي في غرب العراق.
شكل استهداف اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ومعه ابو مهدي المهندس تصعيدًا نوعيًا اميركيًا غير مسبوق . ومن المعروف ان سليماني والمهندس شخصان معروفان يتنقلان من دون تمويه وبحماية عادية ويعقدان اجتماعات مع مسؤولين في العراق بما فيها كردستان بناء لمواعيد مسبقة . ليس صعبًا استهدافهما لكن الصعب هو القرار والرئيس ترامب اتخذ هذا القرار.
القيادة العسكرية الاميركية حسبت ان غياب سليماني والمهندس سوف يقوض الحشد الشعبي ويفقده معنوياته وقدراته القتالية .
ايران التي هددت على لسان المرشد السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية وعدد كبير من القادة بانها سوف تنتقم من قتلة سليماني جعلت من الشهيد أيقونة وطنية . في هذا الوقت كشفت الصحافة الاميركية ان المتعاقد المدني الذي استوجب مقتله هذا الرد الكبير هو الشاب العراقي نوري حميد الذي يعمل مترجما لدى القوات الاميركية ويبلغ من العمر ٣٣ سنةً وحصل على الجنسية الاميركية عام ٢٠١٧!!
سرعان ما جاء الرد الإيراني وقبل مواراة جثمان سليماني الثرى . أطلقت ايران ١٣ صاروخًا بالستيا من نوع "قيام" يبلغ مداها الأقصى ٨٠٠ كلم ،وسقطت في قاعدة عين الأسد قرب بلدة الحديثة في الأنبار وبضعة صواريخ سقطت في قاعدة قرب أربيل . تميز هذا القصف بما يلي :
-المفاجأة : لم يقدر اي من المراقبين والمتابعين ان يرد الإيرانيون بأنفسهم على القواعد الأميركية، وتوقع العديد ان يجري الرد عبر ما يسمونه وكلاء ايران، وهم حلفاؤها في فلسطين ولبنان واليمن فضلا عن العراق.لكن ان تبادر ايران بنفسها الى القصف كان خارج التوقعات.
– السرعة : بدأ القصف الساعة ١:٢٠ ليلًا بالتوقيت نفسه الذي اغتيل فيه سليماني والمهندس ،وانتهى قبل انتهاء مراسم دفن اللواء سليماني في كرمان في ايران
– الجرأة : تجرأ الإيرانيون وهم دولة تصنف دولة نامية وتخضع لحصار اقتصادي اميركي يشارك فيه الغرب ،على قصف قواعد جوية للقوات المسلحة الاميركية. هذه الجرأة تحصل لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية حين قصفت الطائرات اليابانية الأسطول البحري الاميركي في المحيط الهادئ في ميناء بيرل هاربر في هاواي ما ادى الى مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانيةً.
استفادت وحدات الصواريخ الايرانية من عدم وجود وسائل دفاع جوي فاعلة مثل الباتريوت في محيط القواعد الجوية الاميركية في العراق ووصلت الصواريخ الى أهدافها من دون اعتراض .
اما الجدل حول وجود خسائر او عدم وجودها فيمكن مناقشته استنادًا الى معطيات ثابتة . الرئيس ترامب اعلن في تغريدته التي تلت عملية القصف ان الولايات المتحدة تقيم الأضرار والخسائر . يقصد بالإضرار اي الأضرار المادية والخسائر اي الخسائر بالأرواح .
رفض البنتاغون طلبات صحافية اميركية للدخول الى قاعدة عين الأسد والتقاط صور وافلام داخلها تظهر سلامة القاعدة من القصف حسب ما اشيع ، كما وردت أنباء عن منع دخول الأجهزة الأمنية العراقية الى أماكن تواجد الاميركيين في القاعدة نفسها . هذه المؤشرات تدل على ان خسائر قد وقعت ولا يمكن تحديد حجمها ،ولم يعلن عنها من اجل دعم قرار الرئيس ترامب بعدم الانتقام عسكريا وزيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران أصلًا.
في التقييم الاستراتيجي خسرت ايران قائدا أساسيا في الحرس الثوري وصاحب دور كبير في مقاومة اسرائيل في غزة ولبنان بالإضافة الى دوره في التصدي لداعش في العراق وسوريا والقضاء عليها .
وخسر العراق قائدا أساسيا في قوات الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس الذي لعب دورا كبيرا في تعبئة وتنظيم الحشد الشعبي وتدريبه وتجهيزه وقيادة العمليات الحربية ضد داعش .
لكن ايران حفظت هيبتها وصورتها في الإقليم وتحدت الولايات المتحدة وباتت تخيف ولا تخاف كما هو حال معظم دول العالم.
ومن التداعيات المنتظرة في الأشهر المقبلة هو تطوير عمليات الحوثيين في جزيرة العرب وعمليات مرتقبة ضد القوات الاميركية في المنطقة .
يبقى الانتباه الى ثغرة داعش المحتملة في الشرق السوري واجبًا لتفادي اي انتكاسة جديدة لسوريا والعراق، خصوصًا مع تراجع قوة الحشد الشعبي في غرب العراق.هذه المسألة هي محط اهتمام القيادة العراقية التي لا ترضى ابدا عودة داعش باي شكل من الأشكال .