العالم العربيسياسةمن هنا نبدأ
ما بعد غزة:مستقبل فلسطين في يد أهلها(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة
أما وقد انتهت الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة،فقد بات واجبا على الفلسطينيين بجميع فئاتهم ومراتبهم ومواقعهم السياسية والاجتماعية والثقافية ،التفكر جيدا في الغد،بعد هذا الصمود العظيم ،وبعد هذه الانتكاسة الصهيونية الجديدة.
ولأننا مؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية وبأنها قضية عربية إسلامية إنسانية شاملة،
ولأن جيلنا عاش طويلا على حلم تحرير فلسطين،
ولأننا شاركنا الفلسطينيين في بلداننا آلامهم وأوجاعهم ومعاناتهم نتيجة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وجراء العدوان والحروب المتعددة والاحتلالات المتتالية التي خلفت ندوبا عميقة في مجتمعاتنا،
ولأن آلام ومعاناة شعوبنا لن تنتهي ما دامت معاناة فلسطين والفلسطينيين مستمرة،
ولأننا معنيون مباشرة بهذه القضية،
فاسمحوا لنا أن نشارككم لحظات التفكر في المستقبل وفي ما يجب أن يكون غدا ،بدءا بكم ومنكم ،لأننا على قناعة تامة بأنكم أنتم القرار ولكم الخيار والاختيار .
لسنا بحاجة الى ترداد القول إن الحرب الرابعة على غزة ليست كسابقاتها من حيث النتائج التي تحققت على الرغم من سيل الشهداء والجرحى والخسائر المادية الكبيرة.يكفي أنها أبرزت مكامن الوحدة الفلسطينية بأبهى صورها في جميع الأراضي الفلسطينية ،في غزة والضفة وفلسطين ال48،وفي بلدان الشتات من شرق الصين حتى غرب الولايات المتحدة،وإذا كان من نصر حقيقي في هذه الحرب فهي هذه الوحدة التي تحققت بفعل الصمود الأسطوري لأبطال المقاومة المسلحة وفصائلها المختلفة.
كثيرة هي العبر التي يفترض تسجيلها من خلال هذه المعركة،لعل أبرزها سقوط منطق “الأسرلة” الذي اعتمده الكيان الصهيوني طوال سبعة عقود لتدجين الشعب الفلسطيني ،فجاء الجيل الثالث من هذا الشعب ليقول “لا للاحتلال ..نعم للتحرير والاستقلال” ،وما حصل في اللد وحيفا ويافا وأم الفحم وجميع البلدات العربية أكبر دليل على ذلك.
أمام كل ما تقدم يبرز السؤال:كيف نحافظ على هذا النصر ونستثمر نتائجه في صالح فلسطين وشعبها؟
ويطرح السؤال سؤالا آخر:هل نحن خائفون على هذا النصر؟
بصراحة مطلقة:نعم!!
ليس لأننا نشك بقدرة شعب فلسطين ومقاومته على مزيد من الصمود ،بل لأن التجارب السابقة علمتنا أن الإدارة السياسية للصراع مع العدو لم تكن على مستوى هذا الصمود وهذه المقاومة وهذه الآلام والمعاناة ،بل كانت التسويات والضغوط من جهة، والخلافات داخل الجسم الفلسطيني من جهة أخرى، تطيح بالإنجازات فتعود الأمور الى نقطة الصفر ،خاصة في أجواء عربية مؤاتية لاخفاقات عاشتها القضية الفلسطينية طوال عقود.
باختصار،
إن توحيد الرؤية الفلسطينية حيال المستقبل هو بيت القصيد…نعرف أن هذا ليس سهلا في ظل الثقافات المتعددة داخل الصف الفلسطيني ،والرؤى المختلفة لطبيعة الحل.لكنه ليس مستحيلا إذا ما كانت القيادات الفلسطينية جادة في تثمير نتائج الحرب الأخيرة.وهذا يتطلب أول ما يتطلب:
-
مسارعة القيادة الفلسطينية الى اجتماع عاجل لجميع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة.نقول في القاهرة لأن مصر هي الوحيدة القادرة على استقبال القيادة الفلسطينية بأمان واطمئنان ،وقد فعلتها سابقا أكثر من مرة.
-
يسبق هذا الاجتماع لقاء صريح بين قيادتي فتح وحماس وحركة الجهاد الإسلامي ،باعتبار هذه القوى الثلاث تشكل الثقل السياسي والمقاوم في حركة التحرير الفلسطينية.
-
مطلوب من فتح وحماس بالذات بعض التواضع والواقعية في إدارة الصراع السياسي الداخلي للساحة الفلسطينية.فلا فتح بعد الآن يمكنها أن تتجاهل حضور حماس الوازن في ضمير الشعب الفلسطيني وساحاته،ولا حماس يمكنها أن تنتقص من قيمة فتح كحركة نضال تاريخي عريق.وعلى الطرفين إفساح المجال لجيل جديد من النخب الفلسطينية عبر تطعيم قيادات الطرفين بهذا الجيل.
-
ألا تسمح القيادة الفلسطينية لنفسها بالخروج من هذا الاجتماع إلا برؤية واحدة موحدة تضع خطوطا واضحة لأي عملية تفاوض أو وساطة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي .وقد بدأ الكلام واضحا في هذا الاطار،وفي الطليعة زيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة الأسبوع المقبل.
-
على حركة المقاومة الفلسطينية ألا تأخذها العزة بهذا النصر،فلا يغرّنها الصراع الإسرائيلي الداخلي والانتقادات التي برزت وتبرز داخل المجتمع الصهيوني.فتغيير الحكومات في إسرائيل لم يفرز مرة واحدة تغييرا في الثقافة الصهيونية .ولا يجب أن يركن الفلسطينيون الى الأنظمة العربية .فالحائط العربي ما يزال مائلا،ولا يمكن الاتكاء عليه.